في الوقت الذي تتواصل فيه التحقيقات التي تتولاها لجنة المال والموازنة النيابية بالتوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة، الذي تم خلافا للقانون، ما أدى إلى دخول أكثر من 5 آلاف موظف إلى إدارات الدولة خلال عام واحد عشية الانتخابات النيابية، ما أعطى هذه التوظيفات طابعا انتخابيا، يبدو لافتا شغور آلاف الوظائف في إدارات عامة أخرى ما يكبل عملها، ويجعل، بحسب خبراء قانونيين، من الضروري العمل على إعادة هيكلة الإدارة من خلال الانطلاق بمسح شامل نص عليه قانون سلسلة الرتب والرواتب الصادر عام 2017.
ولا تملك الدولة اللبنانية عددا فعليا لموظفي القطاع العام ولا رؤية حول كيفية توزيعهم، لكن مراكز الإحصاءات تتحدث عن 300 ألف موظف، ما يشكل نحو 25 في المائة من مجمل القوى العاملة في لبنان، وهذه النسبة، بحسب المعنيين بالملف، من أعلى النسب في العالم. وتتحدث إحصاءات «الدولية للمعلومات» أن 65 في المائة من إيرادات الدولة تذهب لرواتب موظفي القطاع العام، إذ تقدّر إيرادات الدولة سنوياً بـ12.5 مليار دولار، تدفع منها 8 مليارات للرواتب والأجور.
وتشير الأرقام المتوافرة إلى أنه حتى شهر أيار المقبل سيشغر 55 مركزا في الفئة الأولى و49 مركزا في الفئة الثانية إضافة إلى 210 مراكز لأعضاء مجالس الإدارة والهيئات الناظمة، في وقت تقدر الشواغر في مراكز الفئتين الثالثة والرابعة بالآلاف.
والمفارقة أن وزير الاتصالات الجديد محمد شقير أعلن مؤخرا عن وجود 500 موظف في شركتي الاتصالات Mtc وAlfa لا يعملون، لافتا إلى أنه يتم العمل على نقلهم إلى وزارات أخرى.
ويرد الوزير السابق زياد بارود هذا التناقض الحاصل داخل الإدارات العامة حيث يلحظ قسم منها فائض موظفين فيما تعاني أخرى من شواغر كبيرة، إلى «عدم احترام مركزية التوظيف من خلال مجلس الخدمة المدنية طوال السنوات الماضية»، لافتا إلى أن «القوانين توجب أن تمر كل التعيينات عبر هذا المجلس، لكن تم تخطيه في عدة إدارات سواء بقرار من مجلس الوزراء نفسه أو بحكم الأمر الواقع، ما أدى إلى ما نحن فيه اليوم». ويشير بارود في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك قرارات صدرت في مطلع تسعينات القرن الماضي بوقف التوظيف نتيجة الفائض والفوضى اللذين كانا مسيطرين، لكن ذلك لم يترافق مع إعادة نظر جذرية وشاملة ما أدى لوقف التوظيف في إدارات هي بحاجة لموظفين، ويضيف: «بعد ذلك تحول التوظيف سياسيا وعشوائيا وانتخابيا حتى صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 الذي لحظ من جديد وقف التوظيف، وتبين أنه هو الآخر لم يتم الالتزام به».
ولا يرى بارود مخرجا للدوامة التي تدور فيها إدارات الدولة إلا بإجراء مسح شامل يلحظ تحديد أرقام دقيقة ووصف لأوضاع كل إدارة على مستوى موظفيها أيا كانت تسميتهم، لننتهي إلى وضع جدول واضح يحدد عدد العاملين في القطاع العام وما هي وظائفهم بالتحديد، مستهجنا كيف تسمح دولة لنفسها أن تقول بأنها لا تملك رقما نهائيا لعدد موظفيها.
وإذا كانت القوانين تنص على أن تمر التعيينات في وظائف الفئات 2 و3 و4 و5 عبر مجلس الخدمة المدنية، فإنه يعود لمجلس الوزراء وحده أن يقر تعيينات الفئة الأولى عبر مرسوم يصدر عنه. وقد التزمت بعض الحكومات بآليات تعيين مختلفة، إلا أنها كانت تنتهي لنوع من المحاصصة الحزبية، باعتبار أن الدستور ينص أصلا على المحاصصة الطائفية.
ويشير الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين إلى أن مجلس الوزراء كان يعتمد على لجنة تتولى دراسة ومقابلة المرشحين لوظائف الفئة الأولى على أن ترفع تقريرا مع ٣ أسماء إلى مجلس الوزراء ليختار واحدا منها، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه تتم المطالبة بالعودة إلى هذه الآلية في التعيينات المقبلة.
ويوضح شمس الدين أن أبرز مراكز الفئة الأولى الشاغرة أو التي ستشغر خلال شهرين هي: رئيس الأركان في الجيش، مدعي عام التمييز، النائبان الأول والثالث لحاكم مصرف لبنان، رئيس مجلس الإنماء والإعمار، رئيس مجلس شورى الدولة، مدير عام المغتربين وغيرها من المراكز التي يبلغ عددها الإجمالي 55.