شدد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خلال خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة على "ضرورة أن ننتصر لهويتنا، لأخلاقياتنا، للقيم التي ننتمي إليها، لأن كثيراً ممن تمكّنوا من السلطة أو شاركوا الاعلام والمال نسوا أو تناسوا أنهم من بيئة فقيرة، من طبقة عمال وفلاحين وذوي دخل محدود، ومن مضحّين قدّموا أنفسهم وأولادهم وطاقاتهم لحماية هذا البلد وتمكين صيغته الاجتماعية والثقافية، لكن ليس على قاعدة إلغاء هويتهم عن طريق إعلام فاسد، وتمويل سياسي بأهداف غير سليمة. والمريب أن الهوية التي قدّمت أعزّ ما لديها من فلذات الأكباد تتعرّض لعملية إلغاء ثقافي أخلاقي متعمّد، عن طريق سياسات حكومية لا مبالية، وإعلام يروّج للفساد الأخلاقي والخصومة الثقافية، وينتصر لما يسميه حريات تتعارض بشدة مع طبيعة الإنسان وقيمه الروحية والأخلاقية، وبالأخير تراه يبكي على الحكم الشرعي! وتراه خائفاً على تطبيق شرع الله".
وأشار المفتي قبلان إلى أن "المطلوب - إن كنا صادقين في توجهاتنا - وطن، وطن يشبه الإنسان والقيم، وليس وطناً لعملاء الغرف السوداء، أو وطناً لمشاريع السفارات ولمرتزقة الإعلام القذر، لأن القضية قضية بلد، تعاقبت عليه عقليات سياسية بقوالب ثقافية أرادت تحويله إلى كازينو ومسرحيات إباحية وسماسرة ليل، بخلفية حرية غير مسؤولة، حرية مبطّنة بالجرائم والفساد، وهذا ما يجب الانتباه إليه، لأن هناك من يريد تحويل لبنان إلى فنادق خمس نجوم للفساد الجنسي والانحراف الاجتماعي، بدعم صريح وواضح من جماعة الإعلام المرتزق ولامبالاة حكومية تريد تكريس هذا الواقع رغماً عن ناسه وشرائحه الاجتماعية والثقافية".
ودعا إلى "وحدة الصف والتضامن"، قائلا: "وعلى قاعدة ما من مؤمن يخذل أخاه ويقدر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا والآخرة، بالتالي يجب أن نتضامن، بكل قوة لحماية قيمنا التي لا تتعارض مع انتمائنا الوطني، حتى لا تأخذ السياسة هذا الوطن إلى حيث الزواريب والسماسرة التي تعمل على تفريخ جمعيات وأطر وكيانات همّها الوحيد كسر العفّة الأخلاقية والصيغة الدينية، لأن هناك من يتعمّد ذلك، ويعتبر لبنان ملعباً للقيم المشبوهة، وأساساً للفتك عن طريق إغراق لبنان بالجرائم الإباحية والتفكك الأسري والعلمانية المعادية للقيم الدينية وأخلاقياتها. ووفقاً لمبدأ من لم يحسن في دولته خُذل في نكبته، أحذر من لعبة التجاهل، وحماية الفساد، خاصة الفساد السياسي والإعلامي، لأن الكثير ممن حكم، تعامل مع البلد على أنه ملعب مصالح، وسوق ارتزاق، على حساب مصالح الناس والظروف التي يعيشونها".
وأكّد أن "المطلوب هو إنقاذ شعبنا وناسنا عن طريق حكومة بلد، حكومة وطن، حكومة إعلام وطني وثقافة تليق بالقامات التي أفنت حياتها في سبيل خدمة هذا البلد، وهويتها معروفة، وأسماؤها معروفة، وتاريخها معروف، والنصوص تقول من خان فقد خان الله، ومن خان لك سيخونك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن أعان مؤمناً أعانه الله، ومن انتصر له انتصر لله، ومن خذل أهل الحق خذله الله، ومن أعان على مظلوم فقد برئ من الله، ومن سكت عن ظالم أو روّج له جاء يوم القيامة ومكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، الأيام بيننا، والتاريخ بيننا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
واعتبر أن "البلد يعاني بشدة من نهاية زمن الوطنية، وكأنه مفروض على الفقراء أن يكونوا وطنيين فيما الآخرون لهم الحق بنهب الوطن، وعليه فإن مشهد البلد اليوم، أعداد هائلة تتسوّل، جوع يجتاح كل المحافظات، فساد طاغٍ، ديكتاتوريات سياسية وإدارية ومالية، تتحكّم بمفاصل البلد، يأس يلفّ لبنان من جنوبه إلى شماله، أولويات حكومية على قياس الأطماع السياسية، جرائم تطال كل الأعمار، بطالة طاغية، أسعار جنونية، سمسرات شاملة حتى في القضاء والأمن، أجيال تعيش حالاً من الضياع والجريمة، سجون ليس فيها إلا الفقراء الذين هم ضحايا السياسة، غياب حكومي في سوق العمل، توظيف على الولاءات السياسية، نهب على طريقة عقود رسمية ونفقات إدارية ومكتبية، هدر حكومي يكاد يصل إلى 40%، ضرائب ورسوم هستيرية ليس لها وظيفة إلا خدمة المصارف وجماعة المنتفعين، شركات ومؤسسات عامة ومرافق دولة أشبه بمغارة علي بابا، أرقام مخيفة لتنفيعات بسواتر مختلفة، منها جمعيات وتبعيات وامبراطوريات كلّها تعيش على مال الدولة، مديونية عامة حوّلت الدولة والشعب إلى متسوّلين، إعلام يخدم مموليه، برامج تروّج للفساد الإباحي، وثائقيات تعمل على طريقة اتهام الآخرين بظهر محمي، ديمقراطية ممزقة باسم الطائفية، حقوق بلا قيمة، شعب بلا بطاقة صحية، دولة بلا عدالة اجتماعية، ثروات للأقوى، إعلام للأقوى، حمايات سياسية للأقوى، مزاريب مختلفة للأقوى، فيما ناسنا وشعبنا يبتلع الموت غصّة بعد غصّة".
وشدّد على أن "البلد بحاجة إلى صدمة سياسية، إلى دولة تكون حاضناً لكل اللبنانيين، وبخاصة الفقراء منهم، فالواقع صعب، والصورة معتمة، وما نخشاه أن تكون هذه الحكومة كسابقاتها، حكومة متاريس ومحاور وإمعان في الانقسام، وما نشهده يؤشر إلى ذلك، ويبيّن أن كل ما قيل في الفساد والهدر والمزاريب يُظهر النية على المحاسبة، ولكن لا يؤكّدها، خوفاً من الاعتبارات الطائفية والحمايات المذهبية التي وللأسف الشديد تحول دون ذلك، وتشكّل المانع الرئيس من قيام دولة القانون، ومحاكمة المتجاوزين له، والمتطاولين على المال العام، والهاضمين لحقوق الوطن والناس".
وذكّر بـ"أن الحوار مطلوب، والتسويات في هذا البلد ضرورة، لا بل كانت ولا زالت من أساسيات وجوده, ولكن لا يجوز أبداً أن تكون على حساب الصالح العام، فاللبنانيون مواطنون قبل أن يكونوا مسلمين أو مسيحيين، ومن حقهم المطلق أن يتمتعوا بمواطنة كاملة تؤمّن لهم حقوقهم، وتضمن لهم عيشهم الكريم وبالتالي فإن ما نعيشه من فوضى وعدم استقرار وتراجع مخيف في الاقتصاد وانعدام في فرص العمل وضغوطات معيشية وتفلتات اجتماعية وأخلاقية وفساد في المؤسسات والإدارات وهيستيريا إعلامية لا ضوابط مهنية لها ولا معايير أخلاقية، يؤكّد على أنه لا بد من قيام الدولة، ولا مناص من تطبيق القوانين وبحزم، لأن التغاضي أو التراخي أو التطنيش بحجة أن المرتكب محسوب على هذه الجهة أو تلك سيوصل حتماً إلى ما وصلنا إليه من تراجع وتدهور، وربما سنصل إلى الانهيار الكامل، إذا لم تسارع هذه الحكومة ومعها كل السلطات الأخرى إلى التعاون في ما بينها، والعمل معاً على إطلاق ورشة إنقاذية حقيقية، تبدأ بوقف الفساد، وإقفال مزاريب الهدر، وتفعيل الهيئات الرقابية بعد تطهيرها، وتحرير القضاء من التسلّط السياسي، لأن العدالة لا تكون بقضاء مسيس والحقوق لا تعود بأحكام ظالمة".