الترحيب العربي والدولي بتأليف الحكومة، لم يشكل حافزاً للقوى السياسية لتجاوز خلافاتها الداخلية والنظر إلى التعاون الجاد في ما بينها لاستثمار هذا الترحيب بإعادة نظر شاملة في أوضاع البلاد الداخلية والعمل داخل مجلس الوزراء على رسم الخطط التي تعالج المشاكل الناتجة عن الخلافات القديمة المتراكمة، ولا سيما تلك التي طالبت بها هذه الدول من إصلاحات بنيوية تضع حداً لهدر المال العام، وتبث الاوكسجين في الشريان الاقتصادي الذي بلغ حدوداً خطيرة حتى يتمكن من الوقوف مجدداً ويصبح لبنان في وضع القادر على مواجهة التحديات الاقتصادية الكثيرة.
وإن جاءت النتيجة على عكس ما يتمناه المجتمع الدولي، وعادت الانقسامات إلى داخل الحكومة الحالية كما كانت في الحكومة السابقة وربما أكثر بذلك بكثير بما ترك انطباعاً عاماً عند المراقبين والمتابعين للشأن اللبناني بأن الوضع بعد تشكيل الحكومة لن يكون أفضل مما قبلها مستشهدة بالاجواء المحمومة التي تسود البلاد وتدك بنيان التضامن الحكومي على خلفية عودة اللاجئين واستغلالها من قبل فريق فاعل في الحكومة لإعادة تطبيع العلاقات السياسية مع النظام السوري، رغم استمرار الحظر العربي والمجتمع الدولي، ورغم كل الاعتبارات اللبنانية الأخرى، فضلاً عن سياسة الكيد السياسي ونبش القبور على خلفية محاربة الفساد. وسط هذا الحال يترقب المعنيون زيارة وزير الخارجية الاميركي مارك بومبيو الى بيروت وعديدون ينتظرون ما ستحمله هذه الزيارة ،التي لم يتضح كفاية بعد، جدول أعمالها، وهي الاولى له الى لبنان.
إقرأ أيضًا: بومبيو في بيروت والهدف إحياء خط هوف
سيحضر بومبيو الى لبنان، لكن أحداً لا يعرف كيف سيخرج وما ستكون عليه الايام المقبلة، حيث ان ما بعد الزيارة لن يكون كما قبلها. لاسيما وان ما تسرب من معطيات حول ما يمكن ان يحمله الوزير الاميركي، من رسائل إلى المسؤولين اللبنانيين فقد اختلفت توقعات الأوساط السياسية في لبنان حولها، فمنهم من توقع ان تكون رسائل الوزير بومبيو، صورة موسعة للرسائل التي حملها موفده ساترفيلد والتي خيّرت المسؤولين اللبنانيين بين اعتماد الخيار الوطني الذي يحفظ سيادة لبنان واستقلاله واستقراره وبين خيار التبعية إلى إيران من خلال حزب الله الذي يمسك بكل قرارات الدولة اللبنانية في حين توقع فريق آخر ان يكون هدف الزيارة الوضع في الجنوب اللبناني والبحث في امكانية تسلم الجيش المهام الموكلة حالياً إلى قوات اليونيفيل والانطلاق منها للبحث في كيفية تعزيز قدراته القتالية واللوجستية. غير ان ذلك لا يمنع من أن يتخذ الوزير بومبيو من هذا البند وسيلة للبحث في سلاح حزب الله وهيمنته على القرار اللبناني .مجمل ذلك لا يلقى قبولاً لدى غالبية الافرقاء اللبنانيين، ولا يمكن تسويقه عبر الحكومة اللبنانية،. لقد بات واضحاً، ولا يحتاج الى أدلة، وبراهين، ان الادارة الاميركية برئاسة دونالد ترامب، لا تنظر بارتياح الى الحكومة اللبنانية الجديدة ، وهي تضم في صفوفها وزراء من حزب الله المصنف اميركيا اسرائيليا بريطانيا انه حركة ارهابية، بجناحيه السياسي والعسكري.
خصوصاً، على ما يرى عدد من المتابعين ان واشنطن في صراع مفتوح هذه الايام مع ايران وحزب الله. ولن تتوقف عند حد، على رغم ان هذا السلوك سوف يحرج لبنان بكامل قواه السياسية. على رغم رفض عديدين التوغل الايراني في الشرق الاوسط، وتحديداً في المشرق العربي، ومن مظاهره كانت زيارة الرئيس الايراني الى بغداد، ولقائه نظيره العراقي برهم صالح والعديد من القيادات العراقية. وهي زيارة، رأى فيها البعض، رسالة ايرانية الى الادارة الاميركية خلاصتها نحن هنا.
إقرأ أيضًا: رسالة بومبيو للمسؤولين اللبنانيين لا تساهل
ليس من شك في ان المنطقة عموماً على أبواب مرحلة جديدة، ولبنان، على رغم اعتماد مبدأ النأي بالنفس لن يكون بعيداً عما ستفضي اليه هذه التطورات الخارجية، الدولية الاقليمية، خصوصاً وان الادارة الاميركية ترى ان الفاعلين في السلطة اللبنانية، منحازون لمحور الممانعة بقيادة ايران، تماماً كما وان الفاعلين هؤلاءتحولوا، في كل منتدى الى مدافعين عن مشاركة حزب الله في مجلس النواب، كما وفي الحكومة، كجماعة لبنانية. وآخر مثل على ذلك ما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط ان امتداد حزب الله اقليميا لا يعني ان تأثيره في الداخل يتجاوز كونه جزءاً من الشعب اللبناني. المرحلة المقبلة هي إذاً مرحلة مواجهة صعبة وقاسية. الجهتان ستضعان شروطاً تعجيزية لأي ّمفاوضات محتملة بينهما، أميركا بانتظار تأثير عقوباتها التي لن تستطيع أن تتحملها إيران، وإيران بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة وفشل ترامب في إعادة انتخابه. أما في لبنان فالعقوبات الأميركية التي تهدف لتجفيف مصادر تمويل حزب الله ستحاول أن تتفادى، كما في الماضي، أي تأثير كبير على اقتصاد لبنان أو على نظامه المصرفي، ما دام يطبّق التعليمات المالية الأميركية ولا يسمح لـ الحزب باستعمال نظامه المصرفي أو موقعه الحكومي لتبييض أمواله أو زيادة مداخيله، وهذا ما كثف الحراك الأميركي في لبنان اخيراً.
وأميركا تحاول أن توسع ضغطها على الحزب من خلال حثّ الأوروبيين على عدم الفصل بين شقّيه، السياسي والعسكري. لذلك، ورغم النجاح الأميركي بالماضي في الفصل بين العقوبات الموجهة للحزب والاقتصاد اللبناني، أصبح الأمر اليوم أكثر صعوبة. فضائقة الحزب المالية الناتجة عن تجفيف بعض مصادر تمويله لا بد وأن تؤثر على الأموال التي تدخل الى لبنان من خلاله، والاشتراك المحتمل لأوروبا في اعتبار شقّي الحزب إرهابيَّين سيعقّد تعامل الدول الغربية مع أعضاء في الحكومة تابعين للحزب، ما سيؤثر بالضرورة على عمل وزاراتهم كزيارة الوزراء للخارج وعلى المساعدات لعمل هذه الوزارات.