بناء على "الإثارة" الإسرائيلية، حول اكتشافها خلية لحزب الله في الجولان السوري، وتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، وفيما يصر الأميركيون على نزع صفة "الاحتلال" عن الجولان، والتسليم بأنه جزء من السيادة الإسرائيلية.. يصبح مفهوماً سبب تأجيل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت.
كان من المفترض أن يصل الوزير الأميركي في الرابع عشر من آذار، لكنه أجّل الزيارة أسبوعاً. وحين سيأتي سيحمل بيده أكثر من ملفّ. وجميعها ستكون مرتبطة بترسيم الحدود البرية والبحرية، وتتعلق بملف النفط.
مساءلة لبنان
لكن السياسة الإسرائيلية، وبالأخص سياسة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على مشارف الانتخابات التي يبدو أن وضعه ليس جيداً فيها، تتركز على إثارة أكبر عدد من الملفات، لمناقشتها من قبل بومبيو في زيارته. وهكذا، يسعى الإسرائيليون، لأن يكون عنوان زيارة بومبيو ليس ترسيم الحدود، على الرغم من أهميتها بالنسبة إلى الإسرائيليين، لكن أن يصبح العنوان "مواجهة حزب الله".. على قاعدة الأسئلة الأميركية المعتادة للدولة اللبنانية حول "النأي بالنفس" والتزام القرارات الدولية، بما يناقض سلوك حزب الله، الذي لا يستبيح لبنان فقط، بل سوريا أيضاً، ولديه خلايا في الجنوب السوري كتهديد مباشر لحدود إسرائيل. ولأن نتنياهو يريد تعزيز وضعه الانتخابي بالتعاون مع الأميركيين، يحرص لأن تتخذ زيارة بومبيو إلى لبنان عنوان "إعلان الحرب على حزب الله"، لما في ذلك من فائدة انتخابية، بمعزل عن ماهية هذه "الحرب"، وإذا ما كانت ستبقى سياسية - اقتصادية، أم ستتدهور إلى الميدان العسكري.
سيركز بومبيو في الملفات التي سيطرحها مع اللبنانيين، على أدوار حزب الله، غير المقبولة في لبنان وخارجه. وتؤكد معلومات متابعة بأن الضغط الأميركي سيزداد في المرحلة المقبلة. وهناك رزمة عقوبات جديدة ستصدر. وتؤكد المصادر، أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التصعيد الأميركي تجاه لبنان وإيران وحزب الله. وذلك، بهدف إجبار طهران على تقديم المزيد من التنازلات. هذا التصعيد لا ينفصل عن احتمال حدوث تطور عسكري، سواء في سوريا أو في لبنان، عبر ضربة عسكرية خاطفة، قد تقع بعد الانتخابات الإسرائيلية.
تحولات في العراق
في مقابل هذا الضغط، يبدو واضحاً التأثّر الإيراني. إذ يستمر الأميركيون بتوجهاتهم في العراق وسوريا ولبنان. العنوان واضح وهو كف يد إيران عن سوريا. أما في العراق، فيعملون على تحجيم دور الحشد الشعبي. وفي لبنان، يسعون إلى إبقاء حزب الله تحت المجهر طوال الوقت. وبالتالي يجد الإيراني نفسه محاصراً، ما يدفعه للجوء إلى سلسلة خطوات، بدأت باستدعاء الأسد إلى طهران، وزيارة روحاني إلى العراق، لمواجهة هذا الحصار، والبحث عن سبيل للتهرب من الضغوط.
الوسام الذي منحه مرشد الجمهورية الإسلامية، السيد علي خامنئي، لقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، يمثّل تكريماً له على جهوده. ما قد يعني "تكريمه" حالياً، وتحييده عن الساحة لاحقاً، تمهيداً لتغليب منطق الديبلوماسية، إذ أصبح الخيار العسكري التصعيدي عبئاً على إيران.
هذا النمط تعبّر عنه العلاقة الإيرانية - العراقية، التي تنتقل إلى تجربة جديدة، خصوصاً مع إعادة إبراز الدور الأساسي للديبلوماسية الإيرانية، حسب ما أوحت به تداعيات استقالة روحاني ومن ثم الرجوع عنها. كذلك، البيان الصادر عن السيستاني، الذي يتحدث بوضوح عن مبدأ الحفاظ على سيادة العراق، ومرجعية السلاح بيد الدولة، وتفكيك الميليشيات، بالإضافة إلى العلاقات المتوازنة مع الدول المحيطة. فبدا السيستاني وكأنه يحيي ذكرى 14 آذار اللبنانية، إذ تضمّن بيانه مختلف النقاط المتشابهة بين منطق السيستاني ومنطق 14 آذار.
الضيق الإيراني
المقارنة ليست بين سقوط إيران أو عدم سقوطها. هذه المعادلة غير قائمة، فالنظام لن يسقط، وحتى فكرة إسقاطه غير مطروحة. العقوبات تبقي إيران بحالة متدهورة على مختلف الصعد، وهي ليست أداة لإسقاط النظام، وبالتالي ينجح الأميركيون في فرض الضيق على الإيرانيين، الذين سيضطرون لبيع النفط بسعر بخس، وشراء البضائع بأسعار مرتفعة، وبالتالي هذه معادلة لا يمكنها الاستمرار، ولن تكون إيران في ظلّها قابلة للتطور.
تسعى إيران إلى تحسين شروط التفاوض، وفق احتمالين، أولاً من خلال الصمود إلى ما بعد مرحلة ترامب، وتكرار تجربة أوباما، وثانياً الذهاب إلى مفاوضات مباشرة حالياً، وتقديم تنازلات لتحسين وضعها، خصوصاً أن الظروف المحيطة بها، داخلياً وخارجياً في الإقليم، تشكّل عبئاً ضاغطاً على طهران. ويبدو الإيراني حالياً عاجزاً عن القيام بخطوات، للإنتقال من مرحلة المواجهة إلى مسار التنمية الاقتصادية والإجتماعية.
"الصبر" الأميركي
قالها فرنسوا هولاند، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، بأن هناك إتفاقاً روسياً - أميركياً حول إخراج إيران من سوريا. وكان يمكن إبرام تسوية محددة في سوريا قبل فترة، بالتساوق مع ظهور الاستعداد العربي للتطبيع مع النظام السوري، ما كان سيعتبر انتصاراً للإيرانيين. لكن الأميركي هو الذي تدخّل لوقف عملية التطبيع، وبالتالي، تأخير التسوية وإعادة تحديد الشروط وتشديدها.
يعمل الأميركي وفق منطق الصبر والرهان على الزمن والعقوبات، لإنهاك كل الأطراف في المنطقة. فهو لا يُستنزف على الأرض، في المنطقة، وليس مستعجلاً للحل السياسي كما هو حال الروس، ولا يُستنزف اقتصاده أو عسكره، كما حال الإيرانيين، ولا يشكل له ملف اللجوء فزّاعة كما هو حال الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإن رهان الأميركي على الوقت سيفيده، سواء لتوسيع المواجهة مع إيران، أو الوصول إلى تفاهم معها، بعد كل هذه الضغوط.