تُعتبر منطقة البترون من أكثر المناطق اللبنانية التي عانت من النزوح، وساهم هذا الأمر في ضرب إقتصادها وتضرر مناطق سياحية بأكملها جرّاء إنتشار مخيمات النزوح، كما إلحاق الضرر بنهر الجوز الذي يشكّل أهم الروافد الاقتصادية في المنطقة، إن على المستوى السياحي أو الزراعي.
في الأرقام الرسمية، لامس عدد النازحين في البترون الـ15 ألف نازح، ويُعتبر هذا الرقم كبيراً جداً نسبة الى عدد السكان هناك، علماً انّ بلدات البترون، باستثناء تنورين ومدينة البترون، هي بلدات صغيرة ومنتشرة في الجرود والوسط والساحل.
جديد هذا الملف، قيام القوى الامنية منذ أيام بإزالة مخيّم كوبّا في ساحل البترون، والذي كان يشكّل شوكة في خاصرة البلدة. فكان قرار محافظ الشمال رمزي نهرا وقائمقام البترون روجيه طوبيا حازماً في إنهاء هذه الظاهرة.
قد تكون منطقة البترون من أكثر المناطق التي دفعت ثمن الحرب الأهلية، وعلى الرغم من أنه لم يكن فيها مخيمات للفلسطينيين على أراضيها، إلا أنّ أهاليها، الذين كانوا في طليعة «قوات الجبهة اللبنانية» وأحزاب اليمين، قد سقطوا شهداء في حرب المخيمات وتحرير تل الزعتر، والدفاع عن زغرتا في حرب السنتين، والفاتورة الاكبر كانت أثناء الإجتياح الفلسطيني وارتكابه مجازر بحق أبناء المنطقة، وخصوصاً في بلدة شكا.
وما يدعو للاستهجان، أنّ البعض لم يتعلّم من تجارب الماضي الأليم، خصوصاً مع استقدام البعض (بينهم متمولون ورؤساء بلديات) للنازحين السوريين وإسكانهم في البلدات للإستفادة منهم مادياً من خلال بدلات الإيجار، وهذا الأمر ضرب اليد العاملة البترونية، وحوّل المنطقة، من منطقة سياحية خضراء الى منطقة تنتشر فيها مخيمات النزوح.
لكن، ما نشهده اليوم يؤشر الى جدّية المسؤولين في العمل على التخفيف من اكتظاظ اللاجئين. في حين أن عدداً كبيراً من البلديات لم تقم بدورها في هذا الملف، وهناك عدد من المراسلات الموثّقة والمحاضر بين عدد من البلديات والمرجعيات المسؤولة تطالب البلديات بضبط النزوح، لكن دون أن تتمّ الإستجابة لهذا الامر.
رمي المسؤوليات هذه المرّة ليس سهلاً، مع إصرار محافظ الشمال وقائمقام البترون على تنظيف محيط نهر الجوز، خصوصاً أن هناك قرارًا سياسياً كبيراً من أعلى المرجعيات السياسية إتُخذ بهذا الشأن.
من هنا، يتوجّب على رؤساء البلديات حسب مصادر رفيعة، التعاون مع هذا الواقع الجديد، وإلّا ستكون هناك محاسبة على المخالفات والمخالفين.
وبعد إزالة مخيّم بلدة كوبّا، ستستمر الحملة مع إزالة مخيات للنازحين في بلدة آسيا في جرود البترون، إضافة الى مثلث كفرحلدا- بيت شلالا- بساتين العصي الذي فاق عدد النازحين فيه أعداد الأهالي بكثير، حيث يمرّ نهر الجوز. واتُخذ القرار بإبعاد كل الخيم عن ضفاف نهر الجوز كخطوة اوليّة وعلى بعد 30 متراً من مجرى النهر، فيما التجمعات السكنية التي تحوّلت الى مخيمات نزوح، ستطالها المرحلة الثانية.
وفي بلدة تنورين، فانّ حادثة إعتداء أحد النازحين على مواطنة من بلدة وطى حوب لا تزال ماثلة أمام أعين الأهالي، وسط المخاوف من تكرار مثل هذه الاحداث. وما يدعو للإستغراب أنّ العدد الأكبر من النازحين لا يعملون في البلدة، وقد كفلهم البعض مقابل تأجيرهم بيوتهم.
وأصدر رئيس بلدية تنورين بهاء حرب قراراً منذ 3 أشهر قضى بعدم السماح للسوريين الذين لا عمل لهم في البلدة بالبقاء فيها، لكن هذا القرار بقي حبراً على ورق بسبب عدم وجود الدعم المطلوب لتطبيقه.
لا شكّ أنّ قرار وزيرة الداخلية ريا الحسن، والذي أثار موجة إستغراب واسعة، بعدم فكّ أي مخيم نزوح من دون أخذ رأي وزارة الشؤون الإجتماعية، قدّ أخّر الخطوات بعض الشيء في البترون، علماً أن لا اموال لوزارة الشؤون للقيام بخدمات للبنانيين، فكيف ستؤمّن بديلاً وتستأجر مساكن للسوريين، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام حول نية بعض الجهات في الدولة اللبنانية بإبقاء النازحين حيث هم.
وفي هذا السياق، لا تزال الجمعيات التابعة للأمم المتحدة والتي تهتم بشؤون النازحين تسرح وتمرح في البترون من دون أي حسيب ورقيب، وتحرّض النازحين على البقاء، منتهكة سيادة لبنان.