اختصر الرئيس سعد الحريري موقفه من عدم مشاركة الوزير صالح الغريب في وفد بروكسل بالبيان الذي أصدره الغريب، متناسياً أن بيان وزير شؤون النازحين كان نتيجة، لا سبباً. لكنّ ما حصل سيكون مداراً للنقاش في أول جلسة للحكومة المقبلة
لم يجد الرئيس سعد الحريري أمس، تبريراً منطقياً لعدم مشاركة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب في الوفد اللبناني إلى مؤتمر بروكسل، الذي ــ للمفارقة ــ أُعدّ خصيصاً لأزمة النازحين السوريين في دول جوار سوريا!
أثناء زيارته أمس لقصر بعبدا، وبعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، قال الحريري ردّاً على سؤال عن سبب عدم مشاركة الوزير المعنيّ في هذا الملفّ الخطير ضمن الوفد، بالقول إن «رئيس الوزراء ذاهب إلى بروكسل، وهو يمثل لبنان ويتحدث باسمه ويهتم بالشؤون ذات الصلة». مقبول حتى الآن. لكن يضيف الحريري: «لقد حصل لغط في هذا الموضوع (من دون أن يوضّح ما هو اللغط)»، ويتابع: «لكن هذا لا يعني أني أرغب في ذهاب أو عدم ذهاب الوزير، وأنا لا أريد للغط السياسي أن يحصل، وهذا الملف ممنوع أن يكون هناك خلاف سياسي فيه... وما حدا يلعب على هذا الوتر»! كل ذلك في تصريح الحريري كلام عام، أما الزبدة، فهي في ما ختم به تصريحه: «لسوء الحظ، ثمة بيان صدر ولن أقبل بالأمر»!
ذريعة الحريري إذاً لعدم دعوة الغريب، أن وزير شؤون النازحين أصدر بياناً سياسيّاً، اعترض فيه على مصادرة دوره في ملفّ هو من اختصاصه، لا بل اختصاصه الوحيد، وعلّة وجود وزارته أصلاً! مع العلم، أنه حين أصدر بيانه، أبلغ المعنيين أنه لو دُعي بعد ذلك إلى المؤتمر، فإنه لن يشارك. لكن ألم يأتِ بيان الغريب بعد أن علم بعدم دعوته إلى المؤتمر؟ أم أنه كان مدعوّاً وأحبّ أن ينكّد على نفسه وعلى الحكومة وعلى اللبنانيين!
هو عذرٌ قبيح، ذلك الذي يحاول الحريري تسويقه منذ يومين، ليبرّر خطأً ليس بروتوكولياً أبداً، بل سياسي بامتياز، ويعكس مدى إصرار الحريري على مراعاة الأجندة الدولية على حساب اللبنانيين.
الرّد على كلام الحريري يحتاج قبل أي شيء للعودة إلى التغريدة التي كتبها مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمّار حوري، الذي قال بعد أن شاع خبر غياب الغريب عن وفد بروكسل، إن المسؤول عن الدعوات هو الاتحاد الأوروبي وليس رئاسة الحكومة. وإذا صدق حوري، فهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي تعمّد عدم دعوة الغريب إلى المؤتمر ومعه وزير الصّحة جميل جبق، المعنيّ بدوره بملفّ النازحين، أي إن الاتحاد الأوروبي يتعامل بخلفية سياسية، وليس بخلفية مهنية لحلّ هذا الملفّ، ما دام قد دعا وزير شؤون النازحين السابق معين المرعبي، ووزير الصحة السابق نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني، إلى مؤتمر بروكسل العام الماضي. وبالتالي، ألم يكن الأجدى بالحكومة أن تأخذ موقفاً «مهنياً» يحفظ سيادة لبنان ويرفض تحديد الاتحاد الأوروبي من يمثّل لبنان ومن لا يمثّله؟
وإن كان حوري مخطئاً، والحريري هو المسؤول عن اختيار الوفد، فهذا يعني أن رئيس الحكومة استثنى الغريب وجبق، تماشياً مع سياسة ما! وبالتالي، يصبح بيان الغريب، مهما كان حاداً، موقفاً مبرّراً ومن صاحب «مظلومية مهنية»، وليست شخصيّة!
الأرجح أن يكون حوري صادقاً، والاتحاد الأوروبي هو صاحب الدعوة. وقبل أيام، بحسب معلومات «الأخبار»، جرى اتصال بين الوزير جبران باسيل والحريري، واقترح وزير الخارجية على رئيس الحكومة أن يكون الغريب في عداد الوفد، لما فيه من مصلحة للبنان، ولأنه صاحب الاختصاص، ولأن لرئيس الحكومة هامشاً واسعاً في اختيار من يصطحب معه، ولو من دون دعوة من الاتحاد الأوروبي. لكنّ الحريري تذرّع بالبيان! وهنا ينتهي الكلام السياسي، ليتحوّل موقف الحريري إلى موقف كيدي مجرّد من أي مصلحة سياسية. وكأن سياسة لبنان الخارجية والداخلية والتهديدات الوجودية التي تعصف به، يحدّدها غضب رئيس الحكومة وانفعالاته الشخصية. البلد لا يُقاد بالكيد يا دولة الرئيس! وحبّذا لو يكشف الحريري للبنانيين النص الدستوري أو القانوني الذي يمنحه حق تحديد سياسة لبنان الخارجية، بمعزل عن مجلس الوزراء. لا بد من تذكيره بأن التفاوض مع الجهات الدولية هو اختصاص حصري لرئيس الجمهورية، وأن المشاركة بأي نشاط باسم لبنان في الخارج، تكون بقرار من مجلس الوزراء مجتمعاً، وأن الدستور لم يمنح رئيس مجلس الوزراء أي صلاحيات استثنائية في هذا المجال تحديداً.
ما حصل خلال اليومين الماضيين، يكشف عن انقسام خطير حيال مسألة النازحين، وشبه تملّص للحريري من التزاماته السابقة مع عون للمساعدة في حلّ هذه الأزمة. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن ما حصل لن يمرّ مرور الكرام بالنسبة إلى الكتل السياسية التي تبحث عن حلول جديّة لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم في مقابل القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسها الحريري، التي تبدي انصياعاً كاملاً للأجندة الغربية الراغبة في توطين النازحين السوريين في لبنان، لأسباب وذرائع لم تعد خافية على أحد. وعلى ما تقول مصادر بارزة في قوى 8 آذار، سيُطرَح الأمر على طاولة أول جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، لوضع النقاط على الحروف، وتأكيد أن المصلحة اللبنانية بعودة النازحين فوق كل المصالح الدولية والغربية، وأن وزارة شؤون النازحين لم تُنشَأ لتكون ترفاً سياسياً، بل ليقوم الوزير بما تمليه عليه واجباته ودوره.
الأزمة أيضاً، أن جماعة الحماسة الزائدة لمؤتمر بروكسل، ذاهبون إلى المؤتمر من دون ورقة عمل واضحة لكيفية إيجاد الحلول المناسبة والمنطقية القابلة للتطبيق لتسهيل عودة النازحين، بل كل ما يفكر فيه هؤلاء، تسوّل مبالغ مالية، إن جرى تحصيلها وشكّلت دعماً مالياً للنازحين، وما يسمّى «المجتمع المضيف»، فستكون واحداً من عوامل تثبيت النازحين في لبنان، بدلاً من أن يطالبوا بآليات مالية تساعد هؤلاء النازحين على العودة إلى مدنهم وقراهم ودعمهم داخل سوريا، لا على الأراضي اللبنانية.
زيارة بومبيو بين عون والحريري
من جهة ثانية، وضع الحريري عون في أجواء زيارته للسعودية أول من أمس، ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز. كذلك ناقشا مسألة طرح التعيينات في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، خصوصاً أعضاء المجلس العسكري. لكن أبرز ما جرى الحديث حوله، التحضير لزيارة وزير الخارجية الأميركي المرتقبة لبيروت الأسبوع المقبل، وكيفية التعامل مع ما سيطرحه بومبيو، الذي سيتابع ما مهّد له الموفدون الأميركيون في المرحلة الأخيرة، من زيادة الضغوط على لبنان والتحريض على المقاومة.