لا يمكن أيّ عاقل شارك في ايٍّ من المنتديات والمؤتمرات التي تناولت ملف النازحين السوريين في لبنان ودول الجوار السوري ان يحصي حجم العقبات التي تحول دون عودتهم الى بلادهم، خصوصاً انّ بعضهم لا يظهر قبل الغوص في التفاصيل والمعطيات المخفية والمخيفة التي يصطدم بها الباحثون عن المخارج.
وانطلاقا من هذه المعادلة السلبية، التي يدافع عنها كثير من الخبراء والأكاديميين والناشطين في المجتمع المدني لأن لديهم ما يكفي لتعزيز هذا الإقتناع. فهم يؤكدون سراً وعلناً انّ الغوص في تفاصيل برامج العودة وظروفها يثبت انّ حجم العوائق لا يخضع لأيِّ نقاش سوى في المجتمعات التي لا تعنيها هذه المعضلة، او إن اراد احدهم مقاربة الملف من موقع الجاهل بكثير من الخفايا، او من باب «الجدل البيزنطي» الذي يتقنه اللبنانيون الساعون الى شراء الوقت تعويضاً للفشل في مواجهة كثير من تردداتها السلبية سواءٌ عن عجز او عن سوء إدارة، او لسعي البعض الآخر الى استثمار ما يعتقد ان ما يجري على الساحة السورية هو إنتصار له ويمكن تسييله ارباحاً في لبنان.
وعلى خلفية هذه الوقائع التي تقسم اللبنانيين الى فريقين، فقد ثبت للمطلعين انّ لبنان غير قادر على مواجهة ترددات هذه الأزمة وحيداً. وطالما انه غير قادر على اقناع النظام السوري بضرورة استعادة النازحين وفق شروط وظروف قابلة للتطبيق تسهّل لهم العودة الآمنة والطوعية والتي تنهي الشروط الدولية وتوقف ربطها بالحل السياسي الصعب.
فهو سيكون مرغما على التعاطي مع المجتمع الدولي بالطريقة التي يفهمها هذا المجتمع ووفق شروطه لعبور المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، وفي الحدِّ الأدنى لتوفير مقوّمات الصمود للنازحين ومعهم المجتمعات المضيفة وتعزيز قدرات الدولة في القطاعات الحيوية تعويضا للخسائر التي تسبَّب بها النزوح في اكثر نواحي الحياة اليومية للبنانيين.
وعلى هذه الأسس يتجه لبنان الى المشاركة في مؤتمر «بروكسل 3» بلا استراتيجية جديدة محتفّظاً بما تقرّر قبلاً من خطوات ومشاريع لم تنفَّذ بعد.
ولكنه سيكون حاضراً ومحصناً بعدد من الإحصاءات الجديدة ومجموعة أخرى من التقارير وضعتها مؤسسات دولية واقليمية ومحلية مهّدت لإستكمال تنفيذ الخطط السابقة التي وُضعت في «بروكسل 1» و«بروكسل 2» من دون الغوص في مشاريع جديدة.
فخير لهذا المجتمع الدولي ان يستكمل ما بدأه من برامج تعزّز قدرة لبنان على مواجهة آثار النزوح طالما انّ القدرة على اعادة النازحين الى بلادهم والتي تبعد شبح توطينهم او اطالة امد اقامتهم والتخفيف من كلفتها شبه مستحيلة في ظل الظروف الراهنة.
وعليه يتّجه لبنان بوفده الرسمي الذي سيضم رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقاً تقنيّاً واستشاريّاً إن بقي موقف وزير الخارجية جبران باسيل مقاطعاً للمشاركة هذه المرة، بمعطيات ورؤية جديدة تتطلع الى ضرورات الإستجابة لهذه الأزمة بمزيد من المساعدات العينية وسلة أخرى من المشاريع التي تعزّز البنى التحتية اللبنانية لاستيعاب حاجات المجتمعات المضيفة والتخفيف من اعباء كلفة النزوح على القطاعات الحيوية.
ويعتقد مَن شارك في التحضيرات للمؤتمر انّ الحريري لن يكون وحيداً في المواجهة المحتملة مع المجتمع الدولي هذه المرة. فهو الذي تحرّر قبل المؤتمر من الخلافات الداخلية وقرّر أن يتجاوز «الأخطاء» التي ارتكبها وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب قبل اوانها، واكبرها وأخطرها زيارته الدمشقية قبل ان تعقد الحكومة اولى جلساتها وقد يضمّه الى الوفد لاحقاً لحلّ مشكلة ووفق شروط محدّدة لا تحيي الخلافات السابقة.
فممثلو المؤسسات الدولية والإقليمية التي تعاين الأزمة في لبنان وعلى اجزاء صغيرة من الأراضي السورية حيث تيسّر لها الوجود، وتحديداً في المناطق التي ما زالت خارج سيطرة النظام، سيدعمون موقف لبنان في طلبه للمساعدات المالية للمجتمعات المضيفة كما للنازحين ولو بنسبة اعلى بقليل على عكس ما تريده الدول الأخرى.
ففي اعتقاد ممثلي هذه الهيئات الدولية انّ لبنان الذي يستضيف اكبر نسبة من النازحين (مليون و300 الف نازح في بلد الملايين الأربعة) وليس الأكثر عدداً كما هو حاصل في تركيا (3،5 ملايين في بلد الملايين الإثنين والثمانين) فهو يستحق ما يطالب به وهو ما يقدر بمليار و200 مليون دولار للمجتمعات المضيفة ومليار لإدارة ازمة النازحين ومتطلباتهم، على عكس ما تطالب به تركيا مثلاً فهي تريد ملياراً للنازحين ونصف مليار للمجتمعات المضيفة والأردن يطالب بالنسبة عينها.
ولذلك يتوجّه الحريري الى بروكسل بفريق عمل يفترض ان يكون متجانساً وسط عدد من المخاوف التي يمكن أن تعكسها التوجّهات الدولية في المستقبل. ففي الكواليس السياسية والديبلوماسية كلام كبير يتجاوز احلام بعض اللبنانيين بالتحرّر من النازحين قريباً، وبرغبات البعض بالمواجهة «الدونكيشوتية» مع المجتمع الدولي. فعلى النار مشروع خطير يمكن ان يتبلور في وقت قريب وهو يقول بالدمج بين مسلسل مؤتمرات «بروكسل» و»سيدر 1».
فالثاني بُني في كثير من مشاريعه على خلفية تجاوز ازمة النازحين السوريين ومشاركة لبنان في كلفتها كما الأول. وإن بقي بعض اللبنانيين مصرّين على اصطناع المناكفات مع المجتمع الدولي لن يكونوا قادرين على المواجهة المقبلة للحفاظ على الفصل الذي يريدونه بين نهجي المؤتمرين واهدافهما. وهو ما ادّى الى طرح سؤال وجيه: هل ستكون للبنان الضعيف المشظّى القدرة على مواجهة مثل هذا القرار؟
الجواب ليس متوافراً حتى الآن، لأنه ليس بالبساطة التي يعتقدها البعض. وهو يحتاج الى مزيد من التروّي لمعرفة التوجهات الدولية، ولربما سيكون مطروحاً قبيل مؤتمر «بروكسل 4» او «سيدر 2» وما على اللبنانيين سوى الإستعداد لهذا المخطط الخطير. فهل يكملون بالسيناريوهات «الخنفشارية» المعتمدة داخلياً؟