نرغب رغبة صادقة في تصديق مقولة امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بأنّه كان متفرغاً لمعارك التحرير ومجابهة العدو الصهيوني، وبعد ذلك الدخول إلى سوريا لمقارعة التكفيريين (بغضّ النظر عن دعم نظام بشار الأسد)، وترك الالتفات إلى معظلات الوطن الداخلية، باعتبارها من المسائل الثانوية التي لا تستحق العناية الكافية، فالاموال الإيرانية " النظيفة" تُغني تيار المقاومة عن غمس الأيادي بأموال الدولة اللبنانية "المشبوهة" حتى لا نقول كلاماً جارحاً، إلا أنّ ما نودُّ لفت سماحته له اليوم أنّ بعض "المعارضين" لنهج حزب الله، لطالما نبّهوا إلى ضرورة الاهتمام الكافي بأوضاع الوطن المأساوية، فالدّين العام إلى تصاعدٍ مخيف، والفساد مستشرٍ في كافة القطاعات، والبيئة في خطر، وأموال السياسيين الفاسدين باتت أرقاماً خيالية، وأنّ قيام "دويلة" يأتيها رزقها من الخارج، وتقتاتُ من فًتات الدولة اللبنانية الأم سيودي بها إلى الهلاك، حتى وصلنا اليوم إلى ما نحن فيه من مأزق يطال الجميع، ويعلم السيد بالتأكيد مع أقطاب حزبه أنّ دوام الحال من المحال، وأن الأموال الإيرانية لا بدّ لها أن تنضب في يومٍ من الأيام، ولمئة سببٍ وسبب، وأنّه وقد رهن الطائفة الشيعية بين يديه لمدة تقارب الثلاثة عقود، وبات مسؤولاً عن مصيرها ومآلها، فلن يجد أمامه سوى الدولة كحضنٍ دافئٍ وملاذٍ آمن، إلا أنه وعلى ما يبدو فقد صحّت مخاوف المعارضين، الصادقين الأوفياء، لتتوارى تبجّحات و "فرقعات" المطبّلين والمزمرين، والذين افقدتهم صوابهم روايات الانتصارات والتفوق والتعالي، ليظهر سماحته بالأمس والخيبة ظاهرة على ملامحه، والأسى في نبرة صوته.
اقرا ايضا : وزيرة الطاقة.. المواطنون يسرقون وينهبون مؤسسة الكهرباء
ها قد عُدنا إلى الدولة، إلا أنّها اليوم خرابٌ على خراب، وهذا جزاء ما اقترفته أيادي الجميع، هؤلاء الذين تُركت الدولة بين أيديهم وتحت أرجلهم يستبيحونها، والذين خُيّل لهم أن النّأي بالنفس عن المناصب والصفقات والعقارات وشركات النفايات والطاقة وبيوت المال والمصارف، فجاؤا متأخرين كثيرا ً يحاربون فساداً كان يجري تحت أنظارهم وعلمهم وربما برعاية بعضهم وتورُّط البعض الآخر.
وهذا هو السيد اليوم ولأول مرة يقولها : سنحارب الفساد، وبات في منزلة الجهاد، ولعلّ المسكوت عنه هو القول: لم يعد لنا من حيلة أو سبيل، سوى هذه الدولة التي طالما نهش الجميع بلحمها، ولا نُبرّئ انفسنا، فهي كغيرها وعلى عادتها أمّارةٌ بالسوء.