منذ 9 كانون الأول 2018 ينتظر شعوب العالم ومعهم الشعب الأميركي تنفيذ قرار ترامب «التويتري» بالانسحاب من سوريا في أسرع وقت ممكن بعد القضاء على الإرهاب. وإنّ الوعد الذي قطعه في حملته الإنتخابية قبل ان يدخل الى المكتب البيضاوي في 22 كانون الثاني 2017 بإعادة الجنود الأميركيين الى أرضهم وقواعدهم قد يتحقق قريباً.
يتذكر الجميع أنه بعد ساعات على المفاجأة التي أحدثها القرار الترامبي بالإنسحاب من سوريا عشية عيدي الميلاد ورأس السنة، قدّم وزير دفاعه الجنرال جوزف ماتيس استقالته في خطوة إحتجاجية ارجأ الإعلان عن مثلها في وقت سابق بعد أن تراجع رئيسه عن قرار مماثل في فترة قصيرة.
وفي الوقت الذي لم يتردّد ترامب بقبول الإستقالة سارع عدد من القيادات الأميركية في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي والمخابرات الأميركية الى الإعتراض على القرار.
فمعظم مَن تبنّوا هذا الموقف، وإن لم يقدِموا على الخطوة التي ذهب اليها ماتيس، استغربوا مراراً هذا القرار في شكله وتوقيته ومضمونه. فإلى القول إنّ قراراً من هذا النوع لا يمكن إعلانه من طرف واحد على رغم حجم الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس الأميركي فإنه يجب ان يكون ثمرة مناقشات بين مختلف الأجهزة المعنية.
ولكي يبرّر هؤلاء رفضهم القرار بأنّ الأهداف التي قادت بلادهم من اجلها حربها ومعها مجموعة دول الحلف الدولي ضد الإرهاب لم تنتهِ بعد. فموضوع القضاء على «داعش» لم يكتمل فصولاً بعد رغم الإعلان عنه في اكثر من عاصمة شاركت في هذه الحرب من اكثر من موقع وطرف.
فكما أعلنت واشنطن في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي عن القضاء على «داعش»، فقد كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قادة وحداته من النخبة التي قادت العمليات العسكرية في سوريا في المناسبة، مشيداً بالإنتصارات التي تحققت.
وأصدرت ايران اعلاناً مماثلاً وزّعت فيه الشهادات على قوى الممانعة التي فازت بالإنتصار على الإرهاب واحتفل «حزب الله» بالمثل وعاشت دمشق اجواء مماثلة ومعها بغداد التي كرّست اياماً من الإحتفالات إيذاناً بانتهاء عهد «داعش» واخواتها.
اعتقد البعض انّ كل ذلك كان منطقياً، فالسباق الى الإعلان عن هذه الإنتصارات على مستوى محورَي الحرب كان مشروعاً قبل أن تتراجع الآمال بصوابيته.
وما لبثت أن تلاشت النشوة بالإنتصار وظهرت «داعش» في أكثر من منطقة. وجاءت أحداث السويداء في الجنوب السوري والهجمات الإرهابية التي طاولت نساء المنطقة ومخطوفيها ثم كانت الأحداث في ريف إدلب ومناطق عدة من الرقة بالتزامن مع أحداث الأنبار العراقية لتؤكد أنّ المعلن عن وفاته ما زال حيّاً يرزق وقادراً على المقاومة والقيام بعمليات دموية دفع ثمنها العشرات من ضباط الجيش السوري النظامي وجنوده والنساء والرجال في السويداء وآخرون في مناطق غرب الفرات وشرقه وعلى الحدود السورية والعراقية، عدا عن تلك التي طاولت القوات الأميركية في منبج، وذهب ضحيّتها عسكريون أميركيون وآخرون استعين بهم في الوحدات المشتركة الى جانب القوات الكردية والتركية.
وعلى وقع هذه المحطات الدموية وما خلّفته من آثار سلبية على مصير الإحتفالات بالإنتصارات، كان فوتيل يؤكد بدءَ الإستعدادات لإنسحاب القوات الأميركية من سوريا في اتّجاه بعض القواعد في العراق لتبقى هناك في مهمة مراقبة الحدود السورية ـ العراقية، ولمنع استغلال الخطة لتعزيز وجود الجيش السوري النظامي والقوات الموالية لإيران وقطع «الأوتوستراد» الإيراني من طهران الى بغداد فدمشق وبيروت.
وسارعت محطات التلفزة العالمية الى مواكبة اولى القوافل التي غادرت شمال سوريا بخفر قبل أن تتوالى الأنباء عن تعزيزات اميركية إضافية عادت من العراق وتركيا في اتّجاه قاعدة التنف الجنوبية والمنطقة الوسطى، ومن تركيا في اتجاه الشمال السوري، وقيل يومها إنها لتعزيز القوى وتسهيل الإنسحاب.
وبمعزل عن كل هذه السيناريوهات فاجأ الجنرال فوتيل اعضاء الكونغرس الأميركي في شهادة قبل يومين اعترف فيها بأنّ انتهاء المعركة ضد تنظيم داعش «لا يزال بعيداً» وأنّ «الجهاديين» الخارجين من «الباغوز» آخر معقل للتنظيم في شمال شرق سوريا «لا يزالون متطرّفين وغير تائبين أو منكسرين، ومستعدّين للعودة إلى القتال». نافياً وجود أيّ «ضغوط على الجيش الأميركي للانسحاب من سوريا في أيّ موعد محدَّد».
وعليه، فقد فُسَّر موقف فوتيل على أنه سقوط لتعهّداتٍ أطلقها ترامب في 7 شباط الماضي أمام أعضاء التحالف الدولي ضد الإرهاب في واشنطن، أكد فيها أنّ «الجنود الأميركيين وشركاءنا في التحالف وقوات سوريا الديموقراطية حرّروا على الأرجح كل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق».
وبذلك يعترف المراقبون أنه، وبالإضافة الى رزمةٍ من الأسباب الأخرى التي أعاقت الإنتصار النهائي في سوريا وحالت دون إبعاد الإيرانيين من سوريا، فقد خسر ترامب بشهادة فوتيل «آخر مؤيّديه» في الدعوة الى هذا الإنسحاب. وانّ عليه التضامن مع فوتيل في ما تعهّد «ببذل مزيد من الجهد لإلحاق الهزيمة بآخر شخص في صفوف تنظيم داعش». والى أن تأتي تلك اللحظة فما على الجميع إلّا أن يترقب مواعيد جديدة للإنسحاب من سوريا وهي بعيدة على ما يعتقد المعنيون بها.