ثمّة مَن يعتقد أنّ «التفاهم العُلوي» بين القوى السياسية، وتحديداً رئيس الحكومة سعد الحريري، الثنائي الشيعي، و«التيار الوطني الحر»، في إمكانه السماح في إجراء نفضة تاريخية لـ«عصب» الإدارة اللبناينة ومؤسساتها ومجالسها. في معنى أنّ جلوس «الأقوياء» الأربعة إلى طاولة مستديرة لتقاسم «جبنة» التعيينات، كافٍ لخروج «السلّة» بين ليلة وضحاها من مجلس الوزراء وفرضها على بقية شركاء الحكومة.
لا بل أكثر من ذلك، يسود الإعتقاد أنّ الرباعي سيطوّق بقية القوى السياسية، وتحديداً «القوات اللبنانية» التي تخشى عزلها وإخراجها من مولد التعيينات بلا حمص، إذا ما تمّ التفاهم وراء ظهرها وبلا علمها أو موافقتها، خصوصاً في ما يخص المواقع المسيحية.
أولاً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ سلّة التعيينات مفروزة إلى ثلاث فئات: تعيينات الفئة الأولى في الإدارة العامة (المدراء العامون)، مجالس الإدارة (الكهرباء، مؤسسة «ايدال»، مجلس الإنماء والإعمار...) والهيئات الناظمة، وكلها تتمّ بقرارات يتّخذها مجلس الوزراء. إذ تنصّ المادة 95 من الدستور على أنه «تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى وما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأَي الاختصاص والكفاءة».
أما المادة الثانية التي أتى على ذكرها الدستور في ما يخص التعيينات الإدارية فهي المادة 65 التي تحدّد عمل مجلس الوزراء، وتنص على أنّه «يكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي أعضائه، ويتّخذ قراراته توافقياً. فإذا تعذّر ذلك فبالتصويت، ويتّخذ قراراته بأكثرية الحضور.
أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها»• ويُعتبر تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها من المواضيع الأساسية.
في النتيجة، إنّ مفتاح التعيينات يكمن في ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، ومَن هو قادر على التحكم بهذين الثلثين، في إمكانه التحكّم بدفّة التعيينات، إذا ما أراد إسقاط منطق التوافق.
أما غير ذلك من آليات اتُبعت على مرّ العهود والحكومات المتعاقبة لاختيار «أصحاب الحظوظ» من المديرين العامين أو ما يعادلهم في الفئة، فكانت خلاصة قرارات أو تفاهمات تُتّخذ في مجلس الوزراء، ينتهي مفعولها مع انتهاء عمر الحكومة المعنية.
هكذا، طُرح مثلاً أن يتولّى الوزير المعني بالشغور في وزارته، رفع ثلاثة مرشحين إلى مجلس الوزراء ليتولّى اختيار أحدهم. فيما ذهب الوزير السابق ملحم رياشي إلى خيار اعتماد آلية المباريات بمشاركة مجلس الخدمة المدنية والتي لم يكتب لنتيجتها النجاح بسبب الخلاف مع رئيس الجمهورية.
حتى الآن، لا كلام عن «آلية - غربال» من شأنها أن تفرز الطامحين لتبوُّء المراكز الأولى في الإدارة اللبنانية، بين مستحق وغير مستحق. أكثر من ذلك، يقول أحد المعنيين في هذا الملف إن لا كلامَ جدّياً في تفاصيل التعيينات. يكاد يجزم أنّ هناك استحالة في حسمها دفعة واحدة أو حتى على دفعتين، وقد تحتاج إلى جلسات طويلة من التشاور نظراً الى ضخامتها وتشعّبها.
في المرحلة الراهنة، تُجري «القوات اللبنانية»، وفق مصادرها، جولة اتصالات مع الكتل الوزارية للتفاهم على آلية واضحة للتعيينات، وهي تعتبر أنّ بمجرد إقرار آلية من هذا النوع، ينتفي تلقائياً منطق المحاصصة والمحسوبيات، وتنتفي الخلافات على خلفية هذه التعيينات، ويصار إلى تعيين أصحاب الكفاءة، وذلك من خلال إخضاع المرشحين لمقابلات تجريها هيئة يشارك فيها مجلس الخدمة المدنية ووزارة التنمية الإدارية والوزير المختص.
ولا يبدو أنّ هناك مَن فاتح رئيس حزب «القوات» سمير جعجع بهذا الملف، كما يقول المطلعون على موقفه، خصوصاً من جانب رئيس الحكومة، ولهذا ثمّة خشية من أن لا تنال معراب من «الجَمل إلّا أُذنه» وأن يصار إلى تهميشها، ما قد يضطرها إلى خوض المواجهات لتحصيل «حصتها» من التعيينات.
في المقابل، يقول أحد المعنيين بهذا الملف من الضفة «العونية»، إنّ الكلام عن تهميش ليس في محلّه، بدليل أنّ كل التعيينات التي شهدها عهد الرئيس ميشال عون منذ بدايته، سلكت معبرَ التوافق، ولم يتم تغييبُ أيّ فريق أو استبعاده بمعزل عن السجال حول أحجام وطموحات القوى السياسية، مشيراً إلى أنّ «التيار» لم يتصرّف بمنطق الإلغاء أو اختصار التمثيل المسيحي في التعيينات، فلماذا يفعلها اليوم؟
داخل البيت «العوني» لا توحي الصورة وكأنّ هناك مطبخاً سرّياً تُفلَش على مائدته خريطة التعيينات ويتمّ ملء فراغاتها على طريقة «الحشو» وتوزيع العديد. لا بل يؤكد المعني بهذا الملف أنّ «التيار» لا يزال في بداية ورشته الحزبية لناحية تجميع السِيَر الذاتية التي وُضعت على مكاتبه لطامحين، حزبيين وغير حزبيين. ويلفت إلى أنّ «التيار» يحرص على اعتماد مبدأ الكفاية وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.
ولهذا، في نظره، الكلام عن نيّة «التيار» اجتياح الشغور الإداري المسيحي بمحسوبين من اللون البرتقالي، أشبه بـ«هلوسة» لا أساس له من الصحة. ويشير إلى أنّ اعتمادَ آلية رفع الوزير المعني ثلاثة أسماء إلى مجلس الوزراء، يمنح كل وزير لديه شغور ورقة قوة تدعم موقفه في مجلس الوزراء.
وبالتالي إنّ الخشية من تهميش فريق محدَّد فيه مبالغة، خصوصاً وأنّ غالبية الوزارات تعاني من شغور سواءٌ في ملاكها أو في مؤسسات تابعة لها.