“يمكن حل عدد من مشكلات الشرق الأوسط إذا ما تم احتواء إيران وتحجيم دورها القائم على أساس توسع نفوذها”، قول فيه الكثير من التبسيط غير أنه ينطوي على قدر غير قليل من الحقيقة.
فنفوذ إيران المتنامي قد أدى إلى أن تفقد دول استقلالها وقدرتها على إدارة شؤون مواطنيها بما يخدم خطط تنمية، كان بإمكانها أن تنهي الكثير من مشكلات شعوب، كانت ولا تزال تحلم بالعيش في سلام في إطار المواطنة التي تستند إلى مبدأ العدالة الاجتماعية.
فطبيعة التدخل الإيراني ليست من ذلك النوع الذي يكتفي بالسياقات السياسية التي يمكن أن تعبر عنها التحالفات القائمة بين الدول، بل يضرب ذلك التدخل بعصفه كل مرتكزات العيش بما يجعل النسيج الاجتماعي عرضة للتمزق والتآكل، كما أدى إلى انهيار واضح في قطاعي التعليم والصحة وسواهما من الخدمات التي يمكن أن تنشئ مجتمعا متصالحا مع إرادته الحرة.
لقد صار جليا أن الوجود الإيراني يعبر عن آليته في الاستمرار من خلال الميليشيات المسلحة، الخاضعة عقائديا لفكر الولي الفقيه، التابعة بشكل مباشر للحرس الثوري الإيراني. وهو ما يعني إما تسليح المجتمع وإما إخضاعه لسيطرة الجماعات المسلحة التي تلتزم أمام قيادتها بأسلوب المطيع الأعمى، غير أنها لا تلتزم بشيء أمام المجتمع. فهي تمارس العنف متى تشاء وضد من تشاء، ولا يمنعها وازع من الاستيلاء على المال العام. كما أنها لا تعترف بوجود دولة وطنية.
وهكذا تكون إيران مسؤولة بشكل كامل عن الانهيار الشامل الذي انتهى إليه العراق الذي لم يصح حتى هذه اللحظة من صدمة الاحتلال الأميركي الذي مضى عليه حوالي 16 سنة. وهي مسؤولة عن تهميش إرادة الشعب اللبناني من خلال السيادة المطلقة التي يمارسها حزب الله على القرار السياسي في لبنان، كما أنها مسؤولة عن الحرب في اليمن من خلال إسنادها المعلن لجماعة الحوثي التي لم تعد تكتفي بالإطار المحلي لمطالبها، بل صارت تهدد بأسلحتها المحيط الإقليمي.
إيران فعلت كل هذا ولا تزال تطمع في أن تفعل المزيد مصرة على أن استمرار نظامها في الوجود مرتبط بسياسات التوسع العسكري على حساب دول المنطقة التي تم استضعافها وإحداث خلخلة عظيمة في بنائها السياسي. وما انتهت إليه إيران من نتائج يتناقض كليا، كما قلنا، مع قيام دولة ترعى شؤون مواطنيها وتتحكم بثرواتها بما يخدم مصلحة شعوبها، مستقلة في خياراتها السياسية والاقتصادية والثقافية.
فالدول التي ورد ذكرها صارت تستظل اليوم بعباءة الولي الفقيه بكل ما تتضمنه من تخلف وجهل وفقر ونزعات بدائية أدت إلى أن تتراجع شعوب تلك الدول عن إمكانية أن ترى لها مكانا تحت شمس العصر. فهي شعوب ضائعة، يائسة من نفسها، مخيبة، مغيبة ومحطمة الآمال.
تلك دول، مهددة بأن تفقد حقائقها في التاريخ كما في الجغرافيا. لقد صارت أشبه بالحجابات التي تلوذ وراءها إيران في مواجهة العالم الحر.
وبشكل أوضح صارت تلك الدول أشبه بالثكنات العسكرية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني، وصار قاسم سليماني هو الملك غير المتوج الذي تخضع لأوامره المطلقة.
لذلك فإن الحد من نفوذ إيران في المنطقة وبالأخص في الدول الثلاث يمكنه أن يشكل بداية لحل مشكلات عديدة وليس الحل كله.
من خلال ذلك الإجراء تفقد الجماعات الطائفية المسلحة مصادر تمويلها بالمال والسلاح، وإذا ما كان البعض منها سيقاوم معتمدا على إمكاناته الذاتية، كما هو حال حزب الله، فإن الزمن كفيل بالقضاء على تلك الإمكانات إذا ما توفرت إرادة دولية تعين تلك الدول على النهوض مجددا.
لا أحد يتمنى الشر لإيران غير أن واجب المجتمع الدولي ينبغي أن يقوم على أساس منع الشر الإيراني من إلحاق الأذى بالآخرين.