أداء الولايات المتحدة الأميركية حول العالم لا يحمل سوى فائض من العدوانية، إما بذريعة المصالح التجارية، أو لتغطية الانكفاء، وفي غالبية الأحيان لمنع استقرار الدول التي ترفض الانصياع لواشنطن. يبدو أن لبنان ليس مستثنىً من هذا الأداء، وفق ما عبّرت عنه زيارة ديفيد ساترفيلد
أتَت الزيارة المفاجئة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد لبيروت، في سياق التمهيد لجولة رئيسه، وزير الخارجية مايك بومبيو الذي سيمرّ ببيروت الشهر الجاري. وعكست هذه الزيارة إصراراً أميركياً على عدم تحييد لبنان عن الحرب الأميركية - الإسرائيلية - السعودية على محور المقاومة. هذا ما ظهر في المحادثات التي أجراها الموفد الأميركي والتي استثنت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واقتصرت على لقاءات مع رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بالإضافة إلى العديد من أحزاب وشخصيات ما كان يُعرف بـ«قوى 14 آذار»، كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي.
وأكد المطلعون على أجواء الزيارة أن ساترفيلد «حمل تهديدات مبطنة تؤكّد أن المعركة مع الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة قد فُتحت، وأن كل الأسلحة صارت مباحة». وكرر الموفد الأميركي أمام من التقاهم ضرورة «الحدّ من تأثير حزب الله في السياسات الحكومية»، والإ فإن «أميركا ستستمر في الضغط والإزعاج في حال عدم التزام لبنان سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن أي تمحور مع إيران، حتى لو أدى هذا الضغط إلى زعزعة الاستقرار اللبناني»، لأن المهم «عدم تحويل لبنان إلى ساحة نفوذ لطهران تستطيع من خلالها الالتفاف على العقوبات». وأشار هؤلاء إلى أن «اللقاءات مع قوى 14 آذار تهدف إلى إنشاء لوبي يصعّد ضد حزب الله في موازاة الهجوم الأميركي في المنطقة».
الجلسة التشريعية
تشريعياً، ضاعَ أكثَر من ثُلث الجلسة الصباحية للهيئة العامة لمجلس النواب بكلام النواب من باب الأوراق الواردة. ولأن موضة الحديث هذه الأيام هي «مُكافحة الفساد»، لم يوفّر «أصحاب السعادة» المناسبة لطرح المسألة من باب التركيز على ضرورة تطبيق القوانين الصادرة عن مجلس النواب، التي لا تزال معلقة التنفيذ، والبالغ عددها كما قال النواب 39 قانوناً، قبلَ أن يُشير رئيس المجلس نبيه برّي، إلى أنها أصبحت 42 قانوناً. ثلثٌ آخر صرفه النواب على انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء. أما ما بقي من وقت، فأقرّت خلاله الهيئة العامة للمجلس عدداً من مشاريع واقتراحات القوانين أبرزها: الإجازة للحكومة اعتماد القاعدة الاثني عشرية لغاية صدور قانون موازنة عام 2019. أخذ هذا البند نقاشاً واسعاً، فيما مرّت بقية البنود سريعاً من دون مناقشة، إلا واحداً منها يتعلق بإنشاء مكتب إقليمي في لبنان لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، بعد اعتراض من النائب جميل السيد على تكبّد لبنان تكاليفه، فأخذ مساحة من الأخذ والردّ قبل إقراره.
في الجلسة نفسها، صدّق المجلس على 7 قوانين، غير اقتراح القانون المتعلق باعتماد القاعدة الاثني عشرية لغاية صدور قانون الموازنة العامة. وهذا البند استغرق نحو ساعة من النقاش، بعدَ إصرار برّي على تحديد موعد واضح لإرسال الحكومة موازنتها لعام 2019 إلى البرلمان. حاول الحريري التهرب من الأمر، لكنه اصطدم بموقف بري. ومع أن رئيس الحكومة أكد العزم على مناقشة الموازنة في غضون أسبوع، تمهيداً لإحالتها على مجلس النواب، إلا أنه طلب مهلة 3 أشهر للإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية. من جديد اعترض بري، معبّراً عن استيائه لأن «آلية الصرف بهذه الطريقة لم تُعد مقبولة». ذكّر بري بأن كلامه لم يُسمَع حين حذّر سابقاً من التمادي بتأخير الموازنة، وقال إنه دعا أكثر من مرة الحكومة المستقيلة إلى بتّ الموضوع في جلسة عامة، غير أن صوته لم يُسمع. مجدداً حاول الحريري التهرب، متحججاً بأن التأخير سببه تأخر تأليف الحكومة. هنا، اختصر النائب ياسين جابر المسار في هذا الشأن، معتبراً أن «المهم تحديد مهلة، لأنه في المرة الأخيرة أعطينا الحق بالصرف على القاعدة الاثني عشرية، فاستمرت المهلة 11 عاماً». وكان للنائب إبراهيم كنعان موقف اعتبر فيه أنّ «من المفيد إلزام الحكومة بإحالة الموازنة خلال شهرين»، لكنه عارض «إلزام المجلس بإقرارها خلال شهر، وذلك بهدف القيام بالعمل الرقابي كما يجب والتدقيق في مدى احترام الصلاحيات». وهنا، سأل النائب حسن فضل الله: «هل ستجري القاعدة على كل الإنفاق»، مقترحاً «تخفيض إنفاق بند المؤتمرات والسفر ونفقات شتى من مساهمات لغير القطاع العام، لأن خفض 50 في المئة من هذه البنود يوفر 400 مليار ليرة». فيما اقترح وزير المال علي حسن خليل، تحديد مهلة شهر ونصف شهر لتقرّ الحكومة موازنتها وتُرسلها إلى مجلس النواب، على أن يصدر الأخير الموازنة بعد شهر ونصف شهر في حدّ أقصى. وقد لاقى طرحه تجاوباً، فأجيز للحكومة اعتماد القاعدة الاثني عشرية لغاية صدور قانون موازنة عام 2019 ضمن مهلة 3 أشهر تنتهي في 31 أيار 2019. وتعهّدت الحكومة بخفض الإنفاق بنسبة 1 في المئة من الناتج المحلي.
وفيما كانَ من المُفترض أن يأخُذ اقتراح القانون المُعجّل المُكرر لإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة لعام 2019 بقيمة 2742 مليار ليرة، المساحة الأكبر من نقاش الجولة المسائية للجلسة التشريعية، سارع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى أخذ دفّة الحديث والإعلان أن الحكومة تتراجع عن هذه القيمة، على أن تكتفي بـ 794 ملياراً فقط لثلاثة أشهر من حساب عام 2019، ما حصر المداولات ببعض الملاحظات التي سجلها عدد من النواب بشأن كيفية تسديد هذه السلف. المادة الوحيدة من الاقتراح كانت تقتضي إعطاء سلفة خزينة طويلة الأجل، على أن تسدّد هذه السلفة عبر الاقتطاع من المستحقات المتوجبة على الإدارات العامة والمؤسسات العامة لمصلحة المؤسسة. ثم أعلن الحريري أن «الحكومة لم تعُد بحاجة إلى هذا المبلغ، وأن طلب هذه الكلفة حصل قبلَ تشكيل الحكومة». أما وقد شُكلت الحكومة «فإنها تتعهّد بتقديم خطّة للكهرباء أعدتها وزارة الطاقة». وبناءً عليه «ستكتفي الحكومة بمبلغ الـ 800 مليار عن ثلاثة أشهر فقط». وهذه الخطّة، بحسب ما أشارت إليها وزيرة الطاقة ندى البستاني، أُعدت بالتعاون مع البنك الدولي، وسينفذها القطاع الخاص، وتقوم على «خفض العجز الناتج من الدعم، تفعيل الجباية، رفع التكلفة تدريجاً، إزالة التعديات والبدء بتحصيل الديون المتوجة على الإدارات والمؤسسات العامة». وتعهّد الحريري بإنجاز تعيينات مجلس إدارة الكهرباء والهيئة الناظمة. وقد صُدّق الاقتراح بصفة معجلة مع اعتراض حزب الكتائب والنائبين جميل السيد وأسامة سعد.