عندما حضر المبعوث الرئاسي الروسي، ألكسندر لافرنتييف، إلى لبنان، حاملاً المبادرة الروسية، المتعلّقة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.. كان هناك اختلافات لبنانية متعددة في كيفية التعامل مع المبادرة الروسية. كانت الاختلافات يومها بالشكل وليس في المضمون. رئيس الحكومة، سعد الحريري، كان يعوّل على الدور الروسي، وعلى تلك المبادرة، مراهناً على قوة اتصالات مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان. أما رئيس الجمهورية فكان حريصاً أيضاً على العلاقة مع موسكو، ومن أكثر المطالبين بتطبيق "المبادرة الروسية" من أجل "التخلّص سريعاً" من اللاجئين.
الغيرة الرئاسية!
المبادرة الروسية، حطّت في لبنان منذ لحظة إعلانها الأولى. وكانت نتاج تواصل مديد بين الحريري وفريقه مع بعض مراكز القرار في موسكو. وتم التحضير لاستقبال لافرنتييف في بيت الوسط، على طاولة عمل موسعة، تضّم مختلف المعنيين بهذا الملف إلى جانب الحريري، مع مختلف أعضاء الوفد الروسي. وكان هناك امتعاض من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون حينها، بأن هذا النوع من الاجتماعات يجب أن يعقد في القصر الجمهوري وبرئاسته. انطلق الحريري في التحضير لهذا اللقاء من كونه هو رئيس الحكومة، ورئيس السلطة التنفيذية، وهو المعني بمعالجة هذه الملفات، الأمر الذي لم يرضِ عون وفريقه.
تمت اتصالات سريعة في اليوم ذاته، حتّمت نقل الاجتماع إلى بعبدا، وعُقد برئاسة عون، وضمّ حينها مختلف المسؤولين اللبنانيين المتابعين لهذا الملف. هذا الاختلاف كان مقتصراً يومها على الشكل، لكن في المضمون، كان هناك عتب من قبل عون على الروس، في كيفية التعاطي معه. إذ لم تحدد موسكو موعداً للرئيس، علماً أنه كان قد طلب الموعد أكثر من مرّة، بينما زار الحريري موسكو ثلاث مرّات، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين. حينها كان يُطلق توصيف لبناني حول العلاقة مع موسكو، بأن عون والحريري يتبارزان على من يفوز بقلبها، ومن يتمتع بعلاقة أقوى معها. كان مستشار الوزير جبران باسيل للشؤون الروسية، النائب السابق أمل أبو زيد، يحاول الحصول على موعد لعون في روسيا، لكن الموعد لم يحدد. فاعتبر البعض في لبنان، وفي إطار منطق "التوصيفات اللبنانية"، بأن علاقات شعبان في موسكو أقوى من علاقات أبو زيد.
باسيل و"التحالف المشرقي"
استمرّت محاولات أبو زيد لتأمين لقاء بين عون بوتين، لكن المسألة طالت، إلى الآن، بعدما حُدّد موعد زيارة رئيس الجمهورية إلى روسيا في السادس والعشرين من الشهر الحالي. كانت محاولات تحديد موعد عون مع بوتين قد انطلقت منذ أكثر من سنتين، وبعيد انتخابه رئيساً للجمهورية. خلال هذه الفترة زار باسيل موسكو، والتقى نظيره سيرغي لافروف، وأطلق موقفاً لافتاً حول "التحالف المشرقي"، والذي لمّح خلاله إلى اعتماد سياسة التعويل على العلاقة مع روسيا، ومع الكنيسة المشرقية، وما لذلك من أبعاد سياسية، خصوصاً أن باسيل وفريقه يحرصون على العلاقة الجدية مع كل من روسيا وإيران، وليس أفضل من عنوان "التحالف المشرقي" لتبرير هذا التقارب والتحالف، خصوصاً أن باسيل يعتبر أن العلاقة سيئة مع الأميركيين، والرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلاً، لم يوافق على لقاء عون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في السنة الماضية.
موقف باسيل كان يحمل رسالة أساسية للروس هدفها التقارب معهم، طالما أن الجميع يعلم بالتقدّم الذي تحرزه روسيا في المنطقة، إنطلاقاً من سيطرتها على الوضع السوري، وما له من انعكاس على لبنان. واستمرّت المحاولات اللبنانية لتحسين العلاقة مع روسيا، بالاستناد إلى ملف النفط، ودخول شركة نوفاتيك الروسية إلى هذا المجال، ومؤخراً تلزيم شركة روسنفت الروسية خزانات النفط في طرابلس. وكما يريد باسلي تعزيز العلاقة مع روسيا، كذلك يسعى الحريري أولاً للحصول على غطاء دولي، في ظل الغياب الأميركي عن الساحة، وباعتبار أن علاقات موسكو مع دول الخليج جيدة، وهناك رهان خليجي على الدور الروسي لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.
الكنيسة الروسية
فعّل عون وفريقه الإتصالات مع الروس بعد هذه الخطوات، وقد تدخّلت الكنيسة الروسية من أجل تحديد موعد الزيارة. إذ، وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن الاتصالات طالت الميتروبوليت هيلاريون، وهو الرجل الثاني في الكنيسة الروسية، والذي تدخّل مع بوتين لتحديد موعد زيارة عون، خصوصاً أنه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بالعلاقة مع الحريري، لأن ذلك قد يثير استياءً لدى المسيحيين.
يذهب عون إلى روسيا حاملاً ملفات متعددة، على رأسها ملف اللاجئين، والعمل على حلّه برعاية روسية، وعدم انتظار الحلّ السياسي، خصوصاً أن المبادرة الروسية لم تصل إلى أي نتيجة، بسبب الرفض الأوروبي والأميركي لتمويلها، قبل الوصول إلى حلّ سياسي. كما أن اللجنة اللبنانية الروسية المختصة بوضع خطة لتطبيق المبادرة الروسية، لم تتشكل بشكل فعلي، ولم تعقد اجتماعات عملانية لإيضاح خطّة إعادة اللاجئين، وتوفير الظروف الآمنة لهم. ومن بين الملفات التي سيبحثها عون في موسكو، هي ملفات الطاقة، كهربائياً ونفطياً. وهذا لا يمكن فصله عن مسألة ترسيم الحدود، وتوفير المظلّة الآمنة بوجه أي احتمال لاعتداء إسرائيلي قد يقع.