اللقاء الذي شغل الدنيا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم يونغ أون، مرَّ على الملايين من الأميركيين مرور الكرام، كأي خبر آخر عن المريخ أو القمر أو طبقة الأوزون.
 

تتميّز الساحة الأميركية بأنها مُلتقى العجائب والغرائب من كل نوع، ذلك لأن أهلها نتاج التقاء مئات الثقافات واللغات والعقائد والمذاهب، ولا تجمع بينهم سوى ثلاثة أشياء، جواز السفر وهموم الصحة وكوابيس الضرائب. أما السياسة الخارجية وهمومها وأخبارها فتأتي بعد ذلك، وقد لا تأتي. وهذا خلاف ما يحدث في بلادنا العربية، حيث تسكن السياسة مع المواطن، سياسيا كان أو غير سياسي، في منزله، وتشاركه غرفة نومه.

ويعتقد كثيرون من العرب، ومن العراقيين بشكل خاص، بأن الشعب الأميركي شعب واحد، وأن السياسة تأخذ من حياته نفس القدر الذي تأخذه من حياتهم، وبأنه، مثلهم، يبادلهم كراهية بكراهية، وعداءً بعداء، ويعيش أيامه ولياليه يترصد مواقفهم، ويتسقّط تهديداتهم، يوما بيوم، ودقيقة بدقيقة، ويقضي عمره ومنشغلا ومنهمكا في تدبير الخطط للانتقام وأخذ الثار.

صدقوني إذا قلت لكم إن المقيم بين الأميركيين، والمشترك معهم في جواز السفر وهموم الصحة وكوابيس الضرائب، لا يجد إلا قليلين جدا منهم يتعقبون سياسات حكوماتهم ومشاكلها، ويهمهم أن يعرفوا أخبارها وتطوراتها وبالتفصيل الممل. وتأسيسا على ذلك تصبح الفضائيات والمساجد والحسينيات في إيران وبعض عواصمنا العربية التي تهدد، ليلا ونهارا، بقرب تدمير أميركا وجعل بيتها الأبيض حسينية تقام فيها مراسم عاشوراء، طنينَ ذباب يصل أحيانا قليلة إلى سمع الملايين الأميركية ولا يصل إليها في أكثر الأحايين.

خذوا هذا المثل. إن اللقاء الذي شغل الدنيا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم يونغ أون، وقسّمها إلى متفائل يبارك توقيع اتفاق تاريخي بين الدولتين العدوتين اللدودتين، أو إلى متشائم يتمنى فشل اللقاء ليعود ترامب إلى شعبه بسواد الوجه فتصدق نبوءة أعداء أميركا، وأعداء ترامب، بقرب طرده من البيت الأبيض ومحاكمته بعشرات التهم التي يحاصره بها خصومه الديمقراطيون، وبعضٌ من الجمهوريين، وعربٌ ومسلمون كثيرون، مرَّ على الملايين من الأميركيين مرور الكرام، كأي خبر آخر عن المريخ أو القمر أو طبقة الأوزون.

وفي جولة في التجمعات الليلية والنهارية الأميركية المتعددة، لن يعثر الصحافي الباحث على رأي يشفي غليله في الزيارة الأخيرة التي عاد منها ترامب بلا اتفاق مع خصمه الكوري الشمالي، سوى المعارك الطاحنة على الفضائيات الأميركية المنقسمة بين مصفق لترامب، ظالما أو مظلوما، لا يجد فيه عيبا أو نقيصة، وبين مُنكِر لأي فضيلة فيه والمنقِّب عن أي خبر يسيء إليه، ويقرّب يوم رحيله.

سيدة أميركية من أصل فيتنامي استضافتها، على الهواء، قناةٌ تلفزيونية أميركية معادية لترامب كانت تتوقع منها أن تشارك مذيع الفضائية في تشريح الخيبة الفيتنامية الأخيرة التي أصابت ترامب. لم يثر اهتمام تلك السيدة، من كل تلك الجعجعة، سوى نجاح “الرئيس الشاطر” ترامب في إقناع نظيره الفيتنامي نغوين ترونغ بتوقيع عقد شراء 100 طائرة جديدة من طراز بوينغ 737 بـ12.7 مليار دولار أميركي، وعقد آخر لدعم محركات من تصنيع شركة جنرال إلكتريك الأميركية بـ5.3 مليار دولار. وقالت إن “الرابح بهذه الصفقة ليست أميركا التي تُعتبر هذه المليارات نقطةً في بحر اقتصادها الجبار، بل وطنها فيتنام. وقالت إن ذلك سيقرّب الفيتناميين من أميركا وسيفتح لهم بابا آخر من أبواب الاستفادة مما تملكه أميركا من علم وصناعة واقتصاد”.

وفي فضائية أميركية أخرى ظهر مواطن إيراني في الخمسينات من عمره، قد يكون من جماعة الشاه، ليبشر الأميركيين بقرب نهاية ولاية الفقيه، ودليله على ذلك أن كبار قادة النظام الإيراني أصبحوا يهددون باحتلال البيت الأبيض، وتحويله إلى حسينية، وهذه إحدى علامات اللوثة التي تصيب الدماغ.

وهنا سأله المذيع الأميركي “ما هي ولاية الفقيه”، و”ماذا تعني حسينية”؟ فرد الإيراني على الفور، وبتلقائية، “ولاية الفقيه هي دولة داعش الشيعية، وهي الشقيقة الكبرى لداعش السنية. وأما الحسينية فهي كنيسة الشيعة. وسأل المذيع “ألم تسمع بذلك من قبل؟”، قال المذيع، “لا ليس لي سابق علم بما تقول”.

ويذكر أن رئيس مركز یقین للأبحاث الإستراتيجية والعقائدية المقرب من التيار المحافظ والحرس الثوري، حسن عباسي، كان قد تنبأ، في تسجيل مصور بمناسبة ذكرى مرور أربعين عاما على الثورة الإيرانية، بسيطرة بلاده على البيت الأبيض في واشنطن، وعلى قصر بكنغهام الملكي البريطاني، وعلى قصر فرساي الفرنسي، بحلول عام 2065. وقال إن بلاده تخطط للذهاب أبعد من عدن وحلب والموصل خلال العقود الأربعة المقبلة، مشيراً إلى أنها تريد إقامة مراسم عاشوراء في حسينية في البيت الأبيض، وإقامة ذكرى مولد المهدي المنتظر في مهدية قصر بكنغهام، وتوقع أن تكون استضافة مراسم ليالي القدر من نصيب قصر فرساي، وأن تكون زيارة بيت المقدس للإيرانيين أسهل من زيارة أضرحة الأولياء في مدينة الري، جنوب طهران. إن للعراقيين مثلا سائرا يقول، إن العلكة لا تملأ إلا أفواه المجانين. أليس كذلك؟