تزدحم المساحة الداخلية، هذه الأيام بالمسؤولين الغربيين، للوقوف من المسؤولين اللبنانيين على الخيارات التي سيتخذها لبنان بعدما اجتاز أزمة التأليف وأصبحت له حكومة تتمتع بثقة المجلس النيابي الذي هو أعلى سلطة في البلاد، ولعل أهم ما يُمكن التوقف عنده في هذه الزحمة زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير ديفيد ساترفيلد، ووزير الدولة لشؤون الخارجية البريطانية ووزير الدولة لشؤون تنمية الدول اليستر بيرت إلى زيارة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي.
إن هذه الهجمة الأميركية والبريطانية والأممية على لبنان بعد مرور أقل من شهر على ولادة حكومة الائتلاف الوطني تحمل معها دلالات كثيرة لعل أهمها تلك الرسالة التي نقلها الموفد الأميركي إلى المسؤولين اللبنانيين والتي تنص على دعوة الحكومة اللبنانية إلى ان تحسم خياراتها الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد الذي يُعاني من الأزمات، وشدّد الموفد الأميركي على انه يقصد بالخيارات الوطنية تلك التي تكون نابعة من إرادة اللبنانيين الحرة، ولا تكون مفروضة عليه من الخارج لأن مثل هذا الخيار هو وحده الذي يُخرج لبنان من الصراعات والايديولوجيات الخارجية.
ان هذه الرسالة التي نقلها ساترفيلد الذي يعرف لبنان ومشاكله ومشاغله عن قرب كونه عمل فيه سفيراً لبلاده عدّة سنوات، واضحة كل الوضوح، ويقصد بها افهام المسؤولين اللبنانيين والحكومة الشرعية بالقلم العريض، بعيداً عن الدبلوماسية، ان خيارات لبنان الحالية مشكوك فيها من قبل الإدارة الأميركية في ان تكون خيارات وطنية، وذلك في إشارة واضحة الى الدور الذي تلعبه إيران في الداخل اللبناني وتفرض عليه خياراته من خلال ما تعتبره سيطرة حزب الله الموالي لإيران على سياسة الحكومة الداخلية والارتماء شبه الكلي في أحضان حليفته إيران، التي تخوض معها الولايات المتحدة الأميركية معركة ما زالت مفتوحة على أكثر من احتمال.
وليس صدفة ان تأتي زيارة ساترفيلد إلى لبنان بالتزامن مع زيارة وزير الدولة البريطاني التي كان هدفها المعلن هو اطلاع المسؤولين اللبنانيين على خلفية القرار الذي اتخذته حكومته بوضع حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي على قائمة الإرهاب. وذلك بعد فترة ليست بعيدة عن القرار المشابه الذي اتخذته الحكومة الأميركية، لكن المؤسف على هذا الصعيد ان هاتين الزيارتين، الأميركية والبريطانية، على اهميتهما بل على ابعادهما السياسية، جاءتا بعد اهتزاز الوضع الحكومي جرّاء الاشتباك بين تيّار «المستقبل» وفريقه وبين حزب الله وفريقه على خلفية الاخبار الذي قدمه الحزب إلى القضاء اللبناني ضد أحد أركان التيار البارزين الرئيس فؤاد السنيورة، والذي اعتبره التيار بأنه لا يستهدف فقط الرئيس السنيورة بقدر ما يستهدف الحريرية السياسية التي اسسها الشهيد رفيق الحريري لأسباب لم تعد بخافية على أحد من اللبنانيين.
وبمعزل عن هذا الأمر، هناك سؤال مطروح هو: هل ان الحكومة الحالية التي يسيطر عليها حزب الله قادرة على الاستجابة للشروط الأميركية والذهاب إلى حدّ حسم خياراتها الوطنية؟