كشفت وثائق لسلطات الأمن الألمانية أن المخابرات المغربية سبق أن قدمت لبرلين معلومات عام 2016 بشأن التونسي أنيس العمري، الذي نفذ لاحقا هجوم الدهس في برلين بمناسبة أعياد الميلاد، وذلك بسبب صلاته بإسلاميين متطرفين منحدرين من المغرب في ألمانيا.
ويأتي الكشف عن هذه الوثائق ليعيد الجدل بشأن تراخي دول أوروبية في استثمار معلومات حصلت عليها من أجهزة استخبارات عربية كانت ستمكنها من تفكيك شبكات موالية لداعش والحيلولة دون وقوع هجمات إرهابية.
وجاء في الوثائق أن العمري إسلامي لديه استعداد للقتال ويعتزم تنفيذ “مشروع″ لا يمكنه التحدث عنه عبر الهاتف.
ووفقا للوثائق، قدمت الاستخبارات المغربية للمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية في ذلك الحين معلومات مفصلة عن مغربي، ومغربي-فرنسي، والعمري. وكانت الاستخبارات المغربية تركز في ذلك على اتصالات محتملة للثلاثة مع أنصار لتنظيم داعش في سوريا أو ليبيا أو العراق.
وطُلب من المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) في ذلك الحين بالتحري عن المعلومات القادمة من المغرب.
واتضح عبر اللجنة البرلمانية المختصة بالتحقيق في الهجوم أن الاستخبارات الداخلية الألمانية لم تتحر عن المعلومات سوى لدى الاستخبارات الأميركية، والتي لم تقدم ردا إلا عقب وقوع الهجوم.
يُذكر أن طالب اللجوء المرفوض وتاجر المخدرات، أنيس العمري، نفذ هجوم دهس بشاحنة في إحدى أسواق عيد الميلاد في برلين في 19 ديسمبر عام 2016 وأسفر الهجوم عن مقتل 12 شخصا وإصابة أكثر من 70 آخرين.
ولقي العمري حتفه عقب ذلك بأيام قليلة برصاص الشرطة الإيطالية.
وبدا أن الاستخبارات الأوروبية لم تتعامل بجدية مع التحذيرات التي جاءتها من دول مختلفة مثل المغرب وتونس والعراق ولبنان، في تصرف يخفي قصورا في فهم الظاهرة الإرهابية التي كانت وقتها تقصر عملياتها على دول عربية قبل أن تفكر في التمدد نحو أوروبا سواء من خلال اختراق المهاجرين من أصول عربية وإسلامية، أو بالتسلل عبر موجات الهجرة.
ويقول خبراء في الحركات المتشددة إن دولا غربية مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا، حيث تمكنت خلايا متشددة من تنفيذ هجمات مؤلمة، كانت تتصرف مع الظاهرة الإرهابية بمنظور حقوقي قديم تلقي فيه بالمسؤولية على دول جنوب المتوسط، ولم تتمكن من فهم خطورتها إلا بعد تنفيذ هجمات في باريس وبروكسل وبرلين.
ولعبت أجهزة الأمن المغربية دورا مهما في مساعدة نظيرتها الفرنسية من أجل الوصول إلى عبدالحميد أباعود المتهم بكونه العقل المدبر لهجمات باريس في 13 نوفمبر 2015، والذي لقي حتفه بعد ذلك بأيام قليلة في مداهمة للشرطة الفرنسية في ضاحية سان دوني في باريس.
كما أفضى التنسيق المغربي مع إسبانيا إلى تفكيك مجموعات متشددة بعضها كانت تعمل على تجنيد نساء لإرسالهن إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش.
ولا يقف ضعف التنسيق عند استيعاب المعلومات القادمة من دول الجنوب وسرعة توظيفها فقط، ولكن أيضا ضعف التنسيق بين الاستخبارات الأوروبية في ما بينها، ما سهل على المتشددين، وخاصة الذئاب المنفردة، تنفيذ عمليات مؤلمة في مدن أوروبية عدة.
وساعد بطء تنقل المعلومة بين الأجهزة الأمنية الأوروبية الهجوم على سوق في برلين الذي نفذه العمري الذي تنقل لأشهر بحرية كبيرة بين ألمانيا وإيطاليا على الرغم من تصنيفه بأنه يمثل تهديدا أمنيا، واستطاع لعدة أيام الهروب من بحث مكثف وقام بعبور حدود ثلاث دول قبل قتله بالرصاص في إيطاليا.