ما كانت الحملة على الرئيس فؤاد السنيورة سوى بروفا لحملات يجري الاعداد لها في الاقبية السوداء على كل من ينتمي او كان ينتمي الى جبهة الاستقلاليين والسياديين. فإذا كان حجم الحقد الذي كان الدافع الأكبر للحملة ضد السنيورة على أساس انه كان احد أعمدة الصمود في وجه السلاح غير الشرعي، وأحد اعلام إنشاء المحكمة الدولية، وأحد أبرز العاملين على القرار ١٧٠١، فضلا عن انه ما استسلم يوما لمنطق حاملي السلاح غير الشرعي، فإن الحقد الحقيقي الذي يحرك أصحاب الحملة على السنيورة انما هو في الحقيقة حقد ضد رفيق الحريري وإرثه، وابنه سعد الحريري وكل منتسب الى فكرة الدولة، والكيان اللبناني، والنظام التعددي، واتفاق الطائف.
إذًا الحملة ضد السنيورة، لكنها تستبطن حملة اكبر واخطر وابعد ضد الحريري، وكل الفريق الذي كان ذات يوم يشكل جبهة ١٤ آذار. انها معركة لتصفية ما تبقى من عناصر استعصاء بوجه سيطرة اهل السلاح غير الشرعي ولفيفهم. إنها معركة وجود ما اتصلت مرة بشعار مكافحة الفساد كما زعموا، ففسادهم لا يقارن بفساد آخر، وارتكاباتهم لا تقارن بارتكابات الآخرين. فمن لعب بدماء اللبنانيين كما لعبوا لا يحق له ان يتصدر حملة لمكافحة الفساد، فهل أكبر من فساد إهراق دماء اللبنانيين على مدى سنوات طويلة، تارة بالقتل والاغتيالات، وطورا بحشر البلاد في حروب إقليمية كلفت آلاف الأرواح، وكسرت أسس الاقتصاد اللبناني وحملته أعباء لا تحتمل، وصولا الى إفساد آلاف الشبان وتطويعهم في عصابات مسلحة منتشرة داخل البيئات اللبنانية الأخرى، ناهيك بالفساد الكبير والمتنوع في كل المجالات، والمنتشر في كل مكان تحت سيطرة السلاح غير الشرعي. فكيف يكون الواقفون خلف ما يسمى “الحملة لمكافحة الفساد” أصحاب أهلية للحديث عن فساد مفترض في الآخرين؟
لقد كان النائب الشاب الذي كلفه حزبه التحري عن فساد الآخرين خفيفا في كل إطلالاته الإعلامية، وقد خيل له أنه أحد القضاة الايطاليين الذين كافحوا المافيا خلال الثمانينيات. وما أدرك او ما أراد ان يدرك كم هو حجم فساد الجهة التي ينتمي اليها، وخطورته في كل المجالات. والخفة أيضا كانت في اعتقاد تلك الجهة سهولة اللعب من خلال قضاء غير سوي كالقضاء اللبناني، معروف كيف تتم التعيينات فيه، وكيف تسيطر عليه السياسة والامن وكل أنواع الابتزاز، وكيف يتم تحريك الحق العام، ومختلف النيابات، وخصوصا مع امساك الفريق الذي يقوده “حزب الله” بوزارة العدل.
لقد كانت الحملة على فؤاد السنيورة مقدمة لما هو آت من هذا الفريق الذي اخترق الإدارة والدولة بكل مؤسساتها، فما عاد يكتفي بالسيطرة عبر قوته المجردة، وإنما الآن يستخدم الأدوات عينها التي كانت الوصاية الاحتلالية السابقة تستخدمها، كل هذا في وقت لم تفق القوى السيادية والاستقلالية من سباتها العميق، ولا من أوهام حساباتها الضيقة.