من المُجحف حقّاً اختيار فرد واحد (السنيورة أو غيره) من ضمن المنظومة الحريريّة- السياسية لوصمه بتُهم الفساد ونهب المال العام، كما أنّه لمن المجحف، لا بل المُعيب، اختيار منظومة سياسية واحدة (تيار المستقبل أو غيره)، من ضمن طبقة سياسية فاسدة ومجرمة عن بكرة أبيها، نهبت المال العام طوال ثلاثين سنة كاملة (من عمر اتفاق الطائف).
فالمعروف أنّ نهج الفساد ونهب المال العام واستباحة الإدارة العامّة، وتعطيل عمل المؤسسات الرقابيّة كانت قد بدأتها ومارستها "الترويكا الثلاثيّة" التي حكمت البلاد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكان أقطابُها الرؤساء الثلاثة: الرئيسان الراحلان الياس الهراوي ورفيق الحريري مع رئيس المجلس النيابي الحالي نبيه برّي، عندما رُصدت الأموال الطائلة (عبر الاستدانة) لمجلس الإنماء والاعمار (في عهدة الحريري)، ولمجلس الجنوب (في عهدة برّي) ومجلس المهجّرين (في عهدة الجميع بما فيهم وليد جنبلاط)، ومن ثم تمّ فتح باب الاستدانة على مصراعيه لإرضاء الميليشيات واستيعاب عناصرها في أجهزة الدولة المُستضعفة، وتوزيع الأموال على المهجّرين وملحقاتهم من الأنصار والتابعين والازلام عبر الهيئة العليا للاغاثة، التي تولّت فيما بعد الإنفاق على خسائر الاعتداءات الإسرائيلية المتوالية وآخرها حرب تموز 2006.
إقرأ أيضًا: حُكم القاضية الجوني وأحكام بلال بن أبي بردة
إلاّ أنّ أمور الفساد ونهب المال العام تواصل بوتيرة مُتسارعة بعد انتهاء عهد الوصاية السورية عام 2005، لتخرج الأمور عن مساراتها المعقولة بعد الاطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 وبداية الحرب الأهلية في سوريا، حيث استُبيحت الإدارة العامّة، وتفاقم الإنفاق غير المجدي، وتآكلت الرسوم الجمركية بسبب وضع يد قوى الأمر الواقع على المرفأ والمطار والمعابر الحدوديّة، وابتلعت الاعتمادات المرصودة لسداد عجز الكهرباء جزءاً هامّاً من ميزانية الدولة، وبدل أن يتقشّف المسؤولون ويتحسّسوا آلام المواطنين، راحوا يسرحون ويمرحون في جني الأموال العامّة ونهبها وتوزيعها على الأهل والأقارب والاتباع والمناصرين والمحازبين، وتغطية كل ذلك بالاستدانة التي وصلت نفقات فوائدها أرقاماً خيالية، ليصل البلد نهاية العقد الثاني من القرن الحالي إلى حافّة الإفلاس والضياع، والطّأمّة الكبرى أنّ المسؤولين الفاسدين يتبارون اليوم في اجتراح "معجزات" من نسج خيالهم لمحاربة الفساد، ويُلهون المواطنين الغافلين بتبادل التّهم، وكلٌّ يبرّئ نفسه، حتى بات المواطنون يتساءلون عمّن ارتكب هذه الجرائم والفضائح بحقّ الوطن وأهليه. إن لم يكن هؤلاء الحُكّام الفاجرون الذين اكتنزت أموالهم، وتفشّت أملاكهم في لبنان والمهجر، وباتت أحاديث تُروى ليندى لها الجبين.
وصدق من رفع شعار "كلهم يعني كلهم" أي كلهم سواسية في الفساد والسرقة والاثراء غير المشروع، وصدق من لا يتوانى عن رفعه صُبح مساء.
قال وهب: وجدتُ في كُتُب الأنبياء: من استغنى بأموال الفقراء، جُعلت عاقبتهُ الفقر.