نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الوضع في الجزائر في ظل المظاهرات الأخيرة احتجاجا على الولاية الخامسة لبوتفليقة. وفي حقيقة الأمر، توجد في الجزائر الكثير المواقف المعارضة لهذه الفرضية المحتملة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تاريخ الثالث من الشهر الجاري، الذي يمثل آخر موعد لتقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية، سيكون اليوم الحاسم في تواصل حركة الاحتجاجات أو انتهائها. وفي الجزائر العاصمة، كما في بقية مدن البلاد الأخرى تقريبا، رددت حشود المتظاهرين الشعار ذاته في مواكب احتجاجية مختلفة رافضة لترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
وتجدر الإشارة إلى أن المظاهرات وضعت النظام في وضعية حرجة، خاصة وأن مدى ضخامتها قبل أولى التجمعات التي نُظمت يوم 22 شباط/ فبراير المنقضي، قد فاقت جميع التوقعات. في الآن ذاته، في حين تنتهي يوم الأحد الثالث من آذار/ مارس الحالي مع حلول منتصف الليل، فترة تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، لم يقدم سوى عبد العزيز بوتفليقة ترشحه فقط.
وذكرت الصحيفة أنه في الواقع، لا يعد هذا المأزق بالأمر المستجد في الساحة السياسية الجزائرية. وفي حال ظل خيار الولاية الخامسة للرئيس المريض والبالغ من العمر 82 سنة والذي يعاني من مشاكل صحية الخطيرة، قائما؛ فذلك لأن مختلف مراكز السلطة قد فشلت إلى حد الآن في الاتفاق حول خليفة محتمل للرئيس.
وعلى الرغم من التعبئة الشعبية الضخمة، إلا أن احتمال العدول عن ترشح بوتفليقة ليس مطروحا بصفة علنية من قبل النظام. ويعزى ذلك أولاً إلى أن أغلب الجهات الفاعلة في النظام، على غرار الأقلية الحاكمة التابعة لمنتدى رؤساء المؤسسات، والاتحاد العام للعمال الجزائريين، والأحزاب السياسية بما في ذلك جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي؛ موالية لحكم لبوتفليقة.
وأردفت الصحيفة أن هذه المجموعة لها ارتباط وثيق بالسنوات العشرين التي قضاها بوتفليقة على رأس البلاد وبالمصالح التي جنتها طيلة هذه المدة؛ وهو ما جعلها تبذل كل جهودها من أجل إنقاذ الوضع الراهن. ويتمثل السند القوي لهذه الأطراف في رئيس أركان الجيش، الجنرال قايد صالح، الذي نعت منتقدي الولاية الخامسة "بالجاحدين"، الذين يجهلون "انجازات" حكم بوتفليقة.
من ناحية أخرى، لم يظهر أي وجه سياسي آخر قادر على تعويض الرئيس الحالي. فعلى امتداد سنوات رئاسته، حرص بوتفليقة شخصيا على منع أي شخصية من البروز أو إلقاء ظلالها عليه. والجدير بالذكر أن علي بن فليس، المدير السابق للحملة الإنتخابية لبوتفليقة سنة 1999، الذي أصبح في وقت لاحق رئيس الحكومة الجزائرية من سنة 2000 إلى سنة 2003، قد أقيل من منصبه بعد أن أظهر نوايا تحرّرية.
وفي الوقت الحالي، يحظى الجنرال أحمد أويحيى، الذي يؤيده صناع القرار العسكري، بشعبية سيئة. أما بالنسبة لرئيس الوزراء السابق، عبد المالك سلال، فلا يُأخذ قرار ترشحه على محمل الجد.
وبينت الصحيفة أنه في حال لم يعدل بوتفليقة عن الترشح، يمكن أن يؤجل موعد الانتخابات بسبب دواع متعلقة بالأمن والنظام العام. لكن، من غير المرجح أن يؤدي هذا الأمر إلى تهدئة المحتجين والاستجابة إلى طلباتهم. ولا تعد المعارضة الجهة التي تثير قلق النظام الجزائري، وإنما الحركات التي تنظم في الشوارع تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافت الصحيفة أن الطيف السياسي الذي يمتد من أقصى اليسار إلى الإسلاميين، لا يقود الاحتجاجات في الجزائر. وعلى غرار النظام، تفاجأت الأحزاب أيضا باستفاقة المجتمع المدني، واكتفت بمرافقته فحسب.
وقد اتخذت هذا الموقف رغبة في تجنب التعرض لاتهامات من قبيل استغلال هذه الحركة الإحتجاجية عن أجل كسب مكانة في الساحة السياسية. من جانب آخر، بعد عقود من الإقصاء السياسي، من المؤكد أن هذه المعارضة معجبة بمدى ضخامة المظاهرات، ولكنها مازلت بعيدة كل البعد عن توحيد أصواتها.
وبالنسبة للأطراف الداعية إلى مقاطعة الإنتخابات، على غرار حزبي المعارضة العريقين، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الإشتراكية، فلا تهدف المتظاهرين إلى رفض الولاية الرئاسية الخامسة فقط وإنما تستجيب إلى مطلب ملح في التغيير.
ومن بين الشعارات التي أجتمعت حولها الأصوات في الشوارع، نجد "الشعب يريد إسقاط النظام". وبالنسبة لهذين الحزبين، سيفتح هذا الضغط الشعبي المجال أمام إمكانية الخروج عن أجندة النظام وفرض انتخاب مجلس تأسيسي، بدلا عن تنظيم انتخابات رئاسية. وفي الحقيقة، رفض النظام رفضا قطعيا هذا المطلب الذي سبق وأن دعت إليه المعارضة.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن هذا الحل البديل يفترض رفض المشاركة في الإنتخابات. لكن، لا يفكر مرشحون مثل الجنرال المتقاعد علي غديري والوزير الأول السابق علي بن فليس ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري في القيام بذلك. وتأمل هذه الشخصيات في البروز في صورة بديل مقبول من طرف النظام. وينطبق هذا الأمر أساسا على كل من غديري وبن فليس اللذين يعارضان بوتفليقة، ولكنهما منحدران من النظام وليس من المعارضة.