كان لقاء الحسن صفا سريًا وكان الأجدى بوزيرة الداخلية أن تُبرِز شجاعتها بإجتماعٍ معلن مع وفيق صفا وأن تكشف عن مضمون هذا الإجتماع، لأن حالة الكتمان من كلا الطرفين تستحضر المثل القائل:يكاد المريب يقول خذوني!
لم يصدر عن وزيرة الداخلية ريا الحسن أي نفيٍ للمعلومات التي إنتشرت في مواقع إلكترونية نقلًا عن مصادر نيابية، وتفيد بأنها "إستقبلت بتاريخ 26 شباط الفائت مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا، في زيارة سريّة لم يُعلن عنها، وقد دامت الزيارة أكثر من ساعة، في مبنى وزارة الداخلية". ولم ترشح معلومات عن سبب الزيارة ولا عن فحوى اللقاء الذي بقي طي الكتمان.
عدم النفي حتى اليوم يجعل الخبر مؤكداً وينبغي الوقوف عنده مليًا لما يحمله من رمزية وأبعاد سياسية، فلا يمكن تجاهل خبرٍ كهذا، خاصة أن الوزيرة الحسن تولي أموراً أخرى إهتمامًا مباشرًا وتتولى الردّ عليها وتوضيحها للرأي العام.
• توقيت حسّاس
جاء إجتماع الحسن – صفا في لحظة إعلان بريطانيا حظر الجناح السياسي لـ"حزب الله" وتصنيفه منظمة إرهابية ومع تطبيق رزمة جديدة من العقوبات الأميركية على الحزب، خاصة أنه يمكن تفسيره على أنه "تضامن" مع الحزب من خلال هذا اللقاء في وجه الموقف الدوليّ المتصاعد ضده، وهل هذا الموقف منسّق مع الرئيس سعد الحريري أو مع قيادة تيار المستقبل التي تواجه حملة شرسة من "حزب الله" تحت شعار "مكافحة الفساد"؟
وهل لإعتماد السرية علاقة بهذه التطورات، وهل يعتقد أحد أن بالإمكان كتمان لقاء يجري داخل مؤسسة رسمية وعلى هذه الدرجة من الرمزية؟!
إقرأ أيضًا: رفيق الحريري.. حسينُ العصر وشهيده
• لماذا السرية؟
وإزاء هذه الزيارة تبرز تساؤلات عدة تفرض نفسها:
ــ إذا كانت الوزيرة الحسن مقتنعة بأن إستقبال صفا عملٌ صحيح، فلماذا اللجوء إلى السرية في عقد هذا اللقاء، وهل تعتبر الوزيرة الحسن أن هذه الخطوة محرجة لها أمام الرأي العام فإختارت إبقاءها طي الكتمان؟
ألا يستحق الرأي العام تقديم الشفافية على الإلتباس بعد أن عمدت الوزيرة الحسن إلى تفجير قنبلة "الزواج المدني" في أول أيامها في الداخلية وطرحت الكثير من الملفات المثيرة للجدل.
ــ هل السيد وفيق صفا شخصيةٌ سياسية لها موقعها الطبيعي في الحياة العامة، ويمكن على هذا الأساس إستقباله بشكلٍ طبيعي وبدون إشكالات، أم أنه شخصية إستفزازية وذات بعدٍ أمنيّ وبالتالي يصبح إستقباله مصدر حرجٍ وإستفزاز؟
• إشكالية المضمون والإمتيازات الأمنية
ــ النقطة الأهم أن مضمون الحديث بين السيد وفيق صفا والوزيرة الحسن بقي طيّ الكتمان، كما هو حال الزيارة ذاتها.
فلماذا التكتـّم وهل هناك "برتوكولات" خاصة بإمتيازات "حزب الله" الأمنية يجري العمل على ترتيبها مع الوزيرة الجديدة؟
إذا كان "حزب الله" يتصرّف على أنه حزب سياسي "طبيعي" فيجب أن ينخرط في آليات العمل السياسي المعروفة، ويصبح لقاء مسؤوليه بالوزراء أمراً عادياً..
لكن الحقيقة أن الآلة الأمنية لـ "حزب الله" تفرض نفسها من خلال الإمتيازات التي تحظى بها بصفتها سلطة وصاية على الدولة، فهل تنتفض الوزيرة الحسن على هذه الإمتيازات وترفض الإقرار بها ولو كأمرٍ واقع؟
يدفعنا هذا السياق إلى التساؤل أيضاً عن جدوى الإجراءات التي إتخذتها الوزيرة الحسن حتى الآن:
ــ لقد أزالت الإجراءات الأمنية من أمام وزارة الداخلية، ولكنها لم تقترب من باب أي مسؤول آخر في بيروت، وبقيت الأمور على حالها؟
ــ سرّبت الوزيرة الحسن أنها ستمنع رخص الزجاج الداكن للسيارات (الفوميه) ، فهل بإستطاعتها تطبيق هذا الإجراء في الضاحية على سيارات الحزب أو حتى على سيارات "البيئة الحاضنة".. أم أنها تستطيع الإستقواء على وزارتها وعلى الطريق الجديدة وطرابلس فحسب؟؟!
• تحديات كبرى بإنتظار الوزيرة الحسن
يعلم الجميع أن مجموعات "حزب الله" المباشرة وتلك التابعة له، تتمتع بإمتيازات أمنية خاصة تتيح لها التحرّك بحرية مطلقة وبدون رقابة ولا محاسبة، وأن تلك المجموعات تنفلت عند صدور الأوامر إليها وليس للدولة اللبنانية ولا لأجهزتها الأمنية والقضائية أيّ سلطةٍ عليها.
ما هو موقف الوزيرة الحسن من "سرايا المقاومة" وعصاباتها التي عاثت الفساد في البلد ، وهو البند الذي تمسك به نهاد المشنوق على مدى جلسات الحوار الممتدة مع "حزب الله" بدون أن يصل إلى نتيجة بسبب فقدان الزخم السياسي لدى تيار المستقبل في مقاربة الملفات الكبرى.
ــ ما هو موقف الوزيرة الحسن من تطبيق قرار مجلس الوزراء بشأن إلغاء ما يسمى "وثائق الإتصال" الصادرة عن مخابرات الجيش ووثائق الإخضاع الصادرة عن الأمن العام؟
ــ هل تعترف الوزيرة الحسن بضرورة المواجهة المتكاملة في مواجهة الإرهاب، وبالتكامل الأمني والفكري والديني والتنموي والإعلامي للتصدي لهذا الملف الخطر، وأن وزارتها لها دور محوري في تأمين هذا التكامل والتوازن ، مقابل إصرار "حزب الله" على الدفع بالإتجاه الأمني الصدامي، والذي دفع اللبنانيون عموماً والسنة أثمانه الباهظة، وخاصة في طرابلس وعرسال وصيدا..؟؟
ــ ما هو موقف الوزيرة الحسن من ما يجري في القضاء العسكري وخاصة في ملفات ما يسمى السجناء الإسلاميين الذين يعانون ظلم التوقيف والإشتباه والتأخير الظالم في المحاكمات وكيف ستتعاطى مع إشكالية المبنى ذي الخصوصية الأمنية، وهل ستعيد الوزيرة الحسن النظر بطبيعته المستوردة خارجياً وتفيد من مميزاته في البناء ليصبح سجناً للتأهيل وتخريج سجناء يستطيعون الإندماج في المجتمع بدل تحويله إلى حلبة تعذيب مفتوحة؟!
وكيف يمكن رفع سطوة "حزب الله" عن هذا القضاء وتحريره من التعريفات المنحازة التي إعتمدها في مقاربة ملفات الإرهاب وتداعيات المواجهات في سوريا؟!
ــ هل واجهت الوزيرة الحسن السيد وفيق صفا بملفات شائكة مثل هذه التي سلف ذكرها، وهل لدى قيادتها السياسية القدرة أو حتى النيّة على مواجهة هذا الواقع؟
• مقارنة ضرورية
عندما عقد الوزير نهاد المشنوق الإجتماع الشهير في وزارة الداخلية وحضره وفيق صفا لبحث الحل في بلدة الطفيل المحاصرة، قامت قيامة كثيرين ولم تقعد ، وكان معظمهم من صُلب تيار المستقبل. وكانت غاية ذاك الإجتماع المضمرة والمعلنة إنقاذ أهالي تلك البلدة المنكوبة وإستخراجهم من فم الموت المحدقِ بهم في خطوةٍ إنسانية جريئة إختار المشنوق من أجلها أن يتحمّل كل ما تعرّض له من تشويه ومغالطات.
بعبارة أخرى: كان الإجتماع الذي شارك فيه صفا برئاسة المشنوق وبحضور أجهزة الدولة المتعدّدة المرتبطة بالمرجعيات الكبرى في البلد، وأمام الإعلام، يحمل هدفاً واضحاً ومحدداً، وهو إنقاذ أهالي الطفيل، وهو ما حصل فعلاً، بدون أن تكون له أبعاد أخرى.
في المقابل، كان لقاء الحسن صفا سرياً وكان الأجدى بوزيرة الداخلية أن تُبرِز شجاعتها بإجتماعٍ معلن مع وفيق صفا وأن تكشف عن مضمون هذا الإجتماع، لأن حالة الكتمان من كلا الطرفين تستحضر المثل القائل:"يكاد المريب يقول خذوني"!
أخيراً، هذه الأسئلة الموجهة للوزيرة الحسن ليست من باب الإستهداف، وإنما من باب التوضيح بأن العلاقة مع "حزب الله" مليئة بالألغام والأفخاخ، وأن إدارتها تحتاج إلى الكثير من الحذر والتحصين والتمسك بالثوابت، وهي في موقعٍ سياديّ متقدم.
يتعاطى السياسيون في البلد مع "حزب الله" بإعتباره حزباً سياسياً، بينما لا يزال غير مسجّل في قيود وزارة الداخلية كحزب شرعيّ وهذه حالة شاذة يجري تجاهلها، وهي إشكالية لا تتحملها الوزيرة الحسن، لكن من واجبها الحفاظ على الحدود الفاصلة بين الدولة والميليشيا، وبين القانون والأمر الواقع، حتى يبقى للداخلية وزنها ولمنطق الدولة بعض الإعتبار.