على رغم أنّ حزب «القوات اللبنانية» ينتمي إلى شريحة واسعة من اللبنانيين تؤمن بأنّ الدولة لا تكتمل شكلاً وفق أسس الدول الحديثة والوطن لا يُبنى في ظلّ وجود «هيمنة السلاح، هل يُمكن لحامل السلاح غير الشرعي أن يُكافح الفساد؟»، إلّا أنّ «القوات» ومن ضمن سياسة ربط النزاع مع «الحزب» لم تمانع التقاطع معه في ملفات إقتصادية وشؤون إنمائية وإجتماعية.
حرب «الحزب» على الفساد انطلقت من ملف قديمٍ ـ متجدّد يطاول الرئيس فؤاد السنيورة وبالتالي فريق الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري حليف «القوات» منذ 2005.
وعلى الرغم من أنّ «القوات» تتعامل مع ملفات الفساد «عالقطعة» إلّا أن لها رؤية واحدة لهذا التعامل، تسري على ملف الـ11 مليار دولار حيث يدور نزاع بين «الحزب» والسنيورة، مثلما تسري على كل الملفات.
فـ«القوات» لا تتعامل في موضوع الفساد على قاعدة أنّ هناك تحالفات ثابتة سبق أن أجرتها، بل تنطلق في هذا الموضوع من إمكانية التقاطع «عالقطعة» مع أيِّ طرف سياسي لديه الاستعداد نفسه الذي لديها، أي التزام مفاهيم ومقاييس ورؤية معينة لطريقة مقاربة بناء الدولة وإدارتها. فهي تعتبر أنّ مكافحة الفساد ليست فتح ملف بل هي رؤية ونظرة وتطبيق سياسي والتزام الدستور والقوانين والشفافية، فهي نهج وثقافة وليست «تصريحاً».
وستفتح «القوات» يديها لأيِّ طرف تلتقي معه على هذا المفهوم لـ«محاربة الفساد» ولا تنظر إلى حليف دائم إن ثبت عليه فساد ولا متهماً ثابتاً فقط لأنه ليس حليفاً.
وعلى سبيل المثال، في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء تقاطع موقف «القوات» مع موقف «التيار الوطني الحر» حول بند الدرجات الست للأساتذة الثانويين، على رغم الخلاف مع «التيار» على كثير من المواضيع، ولم تتقاطع مع «حزب الله» في موقفه من هذا الملف، فهو صوّت مؤيّداً إعطاء هذه الدرجات، فيما «القوات» و«التيار» صوّتا ضدها.
فبالنسبة إلى «القوات» أنّ مَن يريد مكافحة الفساد عليه أن يكون منسجماً مع نفسه، ولا يُصوّت مع قرار من هذا النوع، وذلك على مستويين:
ـ الأول، هذا القرار مخالف لرأي مجلس الخدمة المدنية ومجلس شورى الدولة، فكيف نقبل إقراره؟
ـ الثاني، الجميع متفقون على أنّ حالة الدولة كارثية على المستوى الاقتصادي وإقرار سلسلة الرتب والرواتب بالنحو الذي تمّ لم يكن صائباً، فكيف تُحمّل الخزينة أعباءً وتكاليفَ وأثماناً إضافية ليست في مكانها؟
وبعد أن انطلق «حزب الله» في هذه الحرب بإطلاق الرصاصة الأولى على السنيورة في ملف قديم سبق أن أُثير بنحوٍ واسع وعلني من خلال كتاب «الإبراء المستحيل» الذي نشره «التيار الوطني الحر» في 2013 وردت كتلة «المستقبل» عليه بكتاب: «الافتراء في كتاب الإبراء»، يرى البعض أنّ ذلك يشير إلى أنّ «حزب الله» يستغلّ «مكافحة الفساد» لتحميل الحريري والقريبين منه مسؤولية ما آلت إليه حالُ الدولة، خصوصاً أنه سبق لأكثر من مسؤول في الحزب أن اعترف أنه لن يفضح حلفاءه إن ثبت تورّطُهم في ملف فساد، بل سيطرحون الأمر معه بعيداً من الإعلام.
أمّا «القوات» فحين يتبيّن لها ثغرة لدى أيّ فريق وضرورة لمحاسبة أحدهم فلن تتردّد في الموافقة على ذلك، و»لكن من دون أن تكون مسيّسة وأن لا تُفتح ملفات لغايات واستعراضات إعلامية، بل أن يكون الهدف من فتح الملفات تحقيق الغايات المرجوّة».
وعلى صعيد الملف الذي فُتح للسنيورة تشير «القوات» الى أنه «سبق أن فُتح، وهناك تيار بذل كل جهده ليواجهه في هذا الملف ولم ينجح أو يصل إلى أيّ مكان، فما الجدوى من فتحه مجدداً ولا أفق له».
وعلى رغم أنّ «القوات» ستلاحق هذا الملف وستدقق في الأوراق والمستندات التي تطرحها وتكشفها الجهتان، ترى «أنّ ردّ السنيورة، شكلاً وفي الوقائع، مفنّداً التفاصيل بحِرَفيّة تامة وإلمام كبير، أجهض أيَّ محاولة لإعادة فتح ملفات في غير مكانها».
المعركة الأولى لـ«الحزب» في حرب الفساد لم يكسب فيها «القوات» إلى جانبه، كذلك «القرار المالي» لمجلس الوزراء الذي يأتي ضمن سياسة وقف الهدر وتخفيض نفقات الدولة في ظلّ الظروف الراهنة فرّق المتقاربَين حديثاً، بل بدا وكأنّ تصويت «الحزب» على الدرجات الست للأساتذة الثانويين يناقض توجّهه لوقف الهدر والفساد، و«القوات» لن تلتقي معه أو مع أيّ فريق آخر، إلّا على تقاطع واحد في هذا المسار هو رؤيتها لمفهوم الفساد».