بنهاية سنة 2018 خفض صندوق النقد الدولي تقديره لمعدل النمو في العالم سنة 2019 الى مستوى 1.5 في المئة وهذا المستوى دون معدل تزايد السكان، في ما عدا انخفاض الولادات في اليابان والمانيا الى ما دون الواحد في المئة، وتالياً فإن معدل تزايد الدخل الفردي والقدرة على الانفاق تدنى في غالبية البلدان في العالم.
– اضافة الى توقع انخفاض معدل النمو، كانت هنالك مخاوف كبيرة على صعيد الخلاف الجمركي بين الولايات المتحدة والصين، وتعثر موضوع خروج بريطانيا من السوق الاوروبية وعودة التلويح في كاتالونيا بالرغبة في الانفصال عن اسبانيا.
– الخطر الاكبر على الاقتصاد العالمي تمثل في استمرار الاختلاف بين توجهات الرئيس الاميركي ترامب واستعدادات الصين لتبني سياسات تضر بالولايات المتحدة، ليس فقط عن سبيل تحويل مستويات المنتجات الغذائية من الولايات المتحدة بل ايضًا، اضافة الى ذلك، تقييد انتاج الشركات الاميركية في الصين ومن هذه هواتف I Phone لشركة “آبل” وخفض انتاج وبيع سيارات “كاديلاك” وكان عدد مبيع هذه السيارات في الصين يفوق عدد مبيعها في الولايات المتحدة.
– توجه ترامب كان الى فرض رسوم جمركية بمعدل 25 في المئة على قيمة المستوردات من الصين بدل المعدل السائد أي 10 في المئة. وحسب توجهاته كان يفترض فرض رسم الـ25 في المئة في الاول من تشرين الأول 2018، وما حصل ان الشركات الاميركية استوردت حاجاتها من الحديد والفولاذ والادوات الالكترونية بكثافة في شهر أيلول 2018 وظهر أكبر عجز في أي شهر على حساب الميزان الجاري الاميركي وبلغ نتيجة زيادة البضائع الصينية تهربًا من الضريبة المرتفعة 57 مليار دولار.
شعر ترامب بخطئه فاجل فرض الرسوم الجديدة حتى 1/1/209 ومن ثم شعر بخطر فرض الارتفاع وأجل رفع الرسوم حتى 1/3/2019، وبعد محادثات غير نهائية في الصين بين مبعوثين اميركيين وخبراء صينيين قرر ترامب تأخير رفع الرسوم الى أجل غير مسمّى.
الخطوات التراجعية لترامب وفرت للعالم فرصة تنفس، ذلك أن اقتصاد الصين بات يضاهي الاقتصاد الاميركي بتنوع انتاجه، واطلق الصينيون صاروخًا الى القمر وصرف فريق الصاروخ بضعة أيام في دراسة طبقات سطح القمر واخذوا عينات لمزيد من الدراسة على الارض.
خلال سنة 2018 حققت شركة “هواوي” لتصنيع الهواتف النقالة وأنظمتها التشابكية سبقًا واضحًا عل شركة “آبل” وتجاوزت مبيعاتها 100 مليار دولار. ومن المؤكد أن الاقتصاد العالمي لن يستعيد زخمه الانمائي قبل تفاهم الولايات المتحدة والصين على مبادئ لضبط التجاوزات في التبادل بين البلدين والتبادل بشقيه يمثل 30 في المئة من حجم التجارة العالمية، والصين اصبحت أكبر مصدر دولياًً. ويمكن توقع حل للخلافات الجمركية بين البلدين لان الوقع السلبي لا يصيبهما وحدهما، بل يؤدي الى خسارة معدلات النمو على المستوى الدولي واحداً في المئة على الاقل وحينئذٍ تبدو توقعات صندوق النقد الدولي لمعدل عالمي للنمو على مستوى 1.5 في المئة متفائلة.
أوضاع غالبية البلدان الاوروبية تبدو كأنها في حاجة ماسة الى الاستقرار. فالاقتصاد الالماني فقد زخمه، والاقتصاد الفرنسي الذي اراد الرئيس ماكرون تحفيزه واجه موجات النقمة في الشارع. ومن مظاهر هذه النقمة الشعبية رفض فروقات الدخل وفروقات الأجور بين العمال ومديري المصارف وكبار موظفي مصارف الاستثمار. وبرزت العصبيات حيال السود والمسلمين، واتهمت حركات اسلامية بالتعدي على ضرائح يهود واجهوا الموت. وماكرون كان يحمل مشروعاً لقبول الاوروبيين بمصرف مركزي موحد، وجيش أقوى موحد، وهذان التوجهان رفضتهما غالبية الدول الاوروبية، وتالياًً فقدت فرنسا الثقل المعنوي الذي كان لها في أوروبا.
قريبًا من فرنسا، حكومة بريطانيا لم تحظ بدعم البرلمان لمشاريع الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي على الانسحاب من الاتحاد، وقد بدأت تشهد انتقال مصارف غير بريطانية من لندن الى بلدان مستمرة في عضوية السوق الأوروبية ومعدلاتها الضريبية ادنى مما هي في بريطانيا وغالبية بلدان السوق، وقد توجه عدد من المصارف الى فرنسا، وعدد أكبر الى ايرلندا وعدد محدود الى المانيا. في ضوء خسارة التصدير الى أوروبا دون الاستفادة من الاعفاء من الرسوم الجمركية دفع عدداً من الشركات الاجنبية لانتاج السيارات مثل شركة “هوندا”، وقبلها شركة “نيسان”، تفادياً للخسائر، الى الانسحاب من الانتاج في بريطانيا أو تحديد تاريخ مستقبلي للانسحاب. وشركة انتاج سيارات “جاغوار” و”راينج روفر” التي تملكها مجموعة هندية خسرت حتى اواخر ايلول 3.5 مليارات جنيه، وتسعى الادارة الى تلافي الاغلاق.
انسحاب بريطانيا من الوحدة الاوروبية يضعفها هي في المقام الاول والاتحاد الاوروبي في المقام الثاني، وقد يؤدي هذا الوضع المقلق والمستمر منذ 2016 الى تراجع رئيسة حكومة بريطانيا عن الانسحاب من السوق الاوروبية المقرر موعده في آخر اذار والاستمرار في العضوية، وحينئذٍ تنحصر الاضرار سواء في بريطانيا أو دول السوق، وأهل كاتالونيا في اسبانيا ينكفئون عن المطالبة بالانفصال، وعسى ان تستمر بريطانيا في عضويتها.
اضافة الى المشاكل المعددة، لا بد من الاشارة الى عجز ايطاليا عن التقيد بشروط ضبط عجز الموازنة وارتفاع المديونية كما تعدل الحكم في ايطاليا واصبحت نسبة الراغبين في الانسحاب من السوق الاوروبية قوية من غير ان تكون طاغية. والوضع الديبلوماسي مع فرنسا شهد تصعيدًا اعلاميًا استوجب بذل جهود كبيرة لاطفائه. ويبقى وضع المصارف في ايطاليا في حاجة الى دعم المصرف المركزي.
يبقى هنالك مظهر يتجلى في الدول النامية ولنقل الدول العشرين الاغنى. معدلات النمو في هذه البلدان متدنية على رغم ان معدلات الفوائد منخفضة وتلك ظاهرة تناقض علم الاقتصاد لكن من يدرس وقع التوقعات السياسية على الاقتصاد يدرك ان هذه الظاهرة مستمرة لان نتائج ازمة 2008 لم تنقض، وبدل سياسات انفتاحية لجأت الدول المتطورة الى تأمين التمويل الكمي الانقاذي لتنشيط الاقتصاد والحيلولة دون افلاسات كبيرة. لكن هذا المنهج وان منع الانهيار لم يحقق تحصين الاقتصادات المعنية، واستمرار انخفاض التضخم ومعدلات الفائدة ينذر بمواجهة العالم ازمة عالمية ستكون اقسى مما شهدناه حتى تاريخه. وعسى ان نستطيع الوقوف على ارجلنا في لبنان العزيز الذي يعاني قلة اهتمام المسؤولين ونسمح لانفسنا بالقول قلة معارف المسؤولين.