على رغم خطورة الاتهامات التي أعلنت النيابة الإسرائيلية، أمس، عزمها توجيهها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتضمنت «خيانة الأمانة والاحتيال وتلقي الرشوة»، فإن تطورات القضية تشير إلى أن نتنياهو لن يدخل قفص الاتهام هذه السنة على الأرجح، وقد يعود رئيساً للوزراء بعد الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل، ويصعب بذلك إجراءات المحاكمة.
وأعلن المدعي العام أبيحاي مندلبليت، أمس، أنه قرر توجيه لائحة اتهام بحق نتنياهو. وقال إنه أبلغ محامي رئيس الوزراء قراره توجيه «تهم جنائية عدة ارتكبت خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء ومنصب وزير الاتصالات في الملفات المعروفة باسم الملف 1000 والملف 2000 والملف 4000». وعبّر عن رغبته في عقد جلسة استماع لنتنياهو لمنحه فرصة للدفاع عن نفسه قبل تقديم الاتهامات.
واعتبر حزب «ليكود» الحاكم، في بيان، أن توجيه الاتهام «اضطهاد سياسي». ووصف «النشر الأحادي لإعلان المدعي العام قبل شهر من الانتخابات من دون إعطاء رئيس الوزراء فرصة لدحض هذه الاتهامات الباطلة» بأنه «تدخل صارخ وغير مسبوق في الانتخابات». وحاول الحزب عرقلة إعلان مندلبليت قرار المحاكمة، فتوجه إلى المحكمة العليا، لكنها رفضت الدعوى.
وأدخل قرار مندلبليت، الحلبة السياسية في حالة غليان، فقطع نتنياهو زيارته إلى موسكو وحضر فجر أمس إلى تل أبيب وباشر إدارة «المعركة» لعرقلة محاكمته. وتقرر التوجه إلى المحكمة العليا بطلب لمنع مندلبليت من إعلان قراره قبل انتخابات الكنيست المقررة في 9 أبريل (نيسان) المقبل.
غير أن المحكمة رفضت الدعوى وقالت إن «ليكود» تأخر كثيراً في رفعها. وندد الحزب بالقرار، قائلاً إنه «من المؤسف أن المحكمة العليا لم تمنع اليسار من التدخل بشكل فظّ في الانتخابات. فقد كانت المحكمة نفسها قررت في حينه، بشأن الوزير تساحي هنغبي، أنه ينبغي الامتناع عن نشر قرارات المستشار القضائي في فترة الانتخابات، وانتقدت المستشار القضائي في حينه، لأنه فعل ذلك. خسارة أن المحكمة العليا لم تنصت لنفسها».
وأفسح قرار المحكمة في المجال أمام مندلبليت لإعلان قراره تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في الملفات الثلاثة، وأخطرها «الملف 4000» الذي يعتبر الأكبر، وفيه يتهم نتنياهو بأنه أعطى صاحب شركة «واللا – بيزك» مناقصة مقابل تحسين صورته في الإعلام، وستقدم لائحة اتهام تشمل بنود «تلقي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة».
أما «الملف 1000» فحصل فيه نتنياهو وزوجته على كميات ضخمة من الهدايا المادية، مثل زجاجات شمبانيا وسيجار فاخر ومجوهرات، وسيوجه اتهام لنتنياهو وفق بنود «الاحتيال وخيانة الأمانة»، فيما يختص «الملف 2000» بالتفاوض مع صاحب صحيفة «يديعوت أحرونوت» نوحي موزيس، لتحسين التغطية الإخبارية لنتنياهو، مقابل تقليص حجم صحيفته المنافسة «يسرائيل هيوم»، وتم تخفيف التهمة من الرشوة إلى «خيانة الأمانة».
وفي حين أكد المدعي العام أن لائحة الاتهام مشروطة بجلسات الاستماع بين النيابة وبين محامي نتنياهو، قرر تأجيل الجلسات إلى ما بعد الانتخابات وحظر نشر أي معلومات عن التحقيق إلى ما بعد التصويت.
واعتبر «ليكود» إعلان مندلبليت «نتيجة ضغوط بلطجية لليسار ووسائل الإعلام في السنوات الثلاث الأخيرة، هدفها إسقاط حكومة اليمين والفوز في الانتخابات، ليس بواسطة صندوق الاقتراع». واتهم اليسار بالتواطؤ مع جهات أجنبية لإسقاط حكومة نتنياهو.
لكن مراقبين وخبراء اعتبروا قرارات مندلبليت «مسايرة جداً لنتنياهو»، وأنه فعل كل ما في وسعه ليحمي نتنياهو من الاتهامات، لكن الأدلة كانت راسخة وقوية ولم يستطع تجاهلها. وقال المدير العام السابق لوزارة الاتصالات الإسرائيلية، آفي يرغر، الذي قدم شهادة في إطار «الملف 4000» إن نتنياهو «متورط حتى الرقبة في الفساد»، وكشف أن رئيس الوزراء أقاله من منصبه في 2015، بعد أن رفض التوقيع على توحيد شركتي «بيزك» و«ييس» الذي كان سيحقق ربحاً بمئات ملايين الدولارات لصاحب الشركة شاؤول ألوفيتش.
وكان لافتاً إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصريحات من فيتنام قبل إعلان المدعي العام، قال فيها إن نتنياهو «رئيس حكومة ناجح ورجل ذكي وحازم وقوي».
يذكر أن عملية الاستماع الإجبارية قبل بدء المحكمة ستستغرق وقتاً طويلاً، إذ إن هناك عشرات الآلاف من الصفحات في الملفات، ويوجد 25 رجل نيابة يعملون، مقابل 5 محامين. وبانتهاء الجلسات، سيكون على المستشار القضائي أن يدرس نتائج الاستماع، علماً بأن المحامين سيحاولون إلغاء توجيه الاتهامات، وإن لم يفلحوا فإنهم سيحاولون تخفيف التهم وشطب تهمة تلقي الرشاوى لأنها الأشد خطورة، وإذا أدين بها نتنياهو فسيكون مصيره السجن.
لكن هذه العملية ستتم على مدى سنتين أو ثلاث، إذ إن نتنياهو لا ينوي الاستقالة، ولكونه رئيس حكومة فستضطر المحكمة إلى العمل حسب أجندته هو، وليس حسب أجندتها. ففي حالة فوزه في الانتخابات المقبلة، سيدير حربه مع المحكمة على طريقته بفظاظة وشراسة. وعليه، فمن السابق للأوان تأبينه.