بداية فإنّ زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الأولى الى طهران منذ اندلاع الحرب عام 2011 حملت في طياتها رسائل كثيرة، خصوصاً أنّ توقيتها تزامن مع أحداث عدة. فهي جاءت بعد قمة وارسو التي اظهرت تحالفات غير معلنة بين دول عربية واسرائيل وحملت عنوان مواجهة ايران.
كذلك جاءت بعد أيام على إنعقاد قمة سوتشي الثلاثية والتي شهدت نقاشاً حامياً حول المشروع التركي لإنشاء منطقة آمنة لا ترفضها روسيا ولكنّ إيران تعارضها شدة.
كما انها استبقت زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الى موسكو وهي الاولى بعد ازمة إسقاط الطائرة الروسية والتي ستبحث في النفوذ الايراني المباشر على الساحة السورية، وبمقدار ما استحوذ وصول الرئيس الاسد الى مطار طهران بمقدار ما اهتم المراقبون بحضور الجنرال المتشدّد قاسم سليماني الاجتماعين مع مرشد الثورة والرئيس الايراني في غياب وزير الخارجية المعتدل محمد جواد ظريف.
ظاهر الرسالة كان واضحاً: «نحن ذاهبون للمواجهة ولا مكان للتساهل او التفاوض». وجاءت صدمة استقالة ظريف لتؤكد مضمون هذه القراءة، لكنّ المفاجأة الثانية التي ظهرت كانت مع ظهور إجماع داخلي على عودة ظريف عن استقالته، فالنواب المنتمون الى التيار المتشدد والذين كانوا قد طالبوا سابقاً بإقالة ظريف هم انفسهم مَن سارعوا الى دعوته للعودة عن استقالته.
اما الجنرال قاسم سليماني فقال: «ظريف مسؤول عن السياسة الخارجية لايران وكانت له انجازات قيّمة لتأمين المصالح القومية الايرانية على مستويات عدة، وهو تمتع بالدعم الكافي في طريق مقارعة أعداء إيران».
وكلام سليماني جاء ليؤكد المؤكد حول موافقة السيد علي خامينئي على كل مفاوضات الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما وأسقطه خَلَفه دونالد ترامب.
وعودة ظريف الذي درس في الولايات المتحدة الاميركية وأجاد مخاطبة ومحاورة، لا بل ومفاوضة، العقل الغربي، شكلت إقراراً إيرانيا بأنّ طريق التفاوض مع الغرب ما يزال مفتوحاً، وهي الرسالة التي قرأتها العواصم الغربية وفهمتها أنها الرسالة الفعلية، وانّ رسالة التشدد التي واكبت زيارة الاسد تأتي في سياق فن التفاوض واحتراف المناورات السياسية الى درجة انّ البعض تساءل ما اذا كان اعلان الاستقالة مدبَّراً ولعبةً حيكت ببراعة.
ولكي يكون التقييم جدّياً فإنّ الراديكاليين هم في الحقيقة مَن يفاوضون ويوقعون الاتفاقات، أما المعتدلون فدورهم ينحصر بفتح القنوات وإضفاء الاساليب الديبلوماسية المرنة.
في كتابه «السيد السفير» والذي صدر عام 2013 يقول ظريف: «في الديبلوماسية عليك أن تبتسم دائماً، ولكن عليك أن لا تنسى أبداً انك تتحدث مع عدوّ». وقد تكون إيران التي تحتسب مبدءاً للتطورات في سوريا والمنطقة، تجمع بين «تكشيرة» سليماني و»ابتسامة» ظريف.
في كل الحالات فإنّ حليف التيار الايراني المتشدد الابرز، أي «حزب الله»، كان باشر تدشين حقبة جديدة في مساره وفق اسلوب جديد. فمنذ الانتخابات النيابية شرع «حزب الله» في سياسة الانخراط اكثر في الشأن السياسي اللبناني. ذلك انّ قيادة الحزب والتي يشهد لها اعداؤها كما حلفاؤها ببراعتها في قراءتها الاستراتيجية، اتخذت قرارَها بالتعاطي الكامل في الحياة السياسية اللبنانية مع الحفاظ على موقعها الإقليمي كامتداد لمحور المقاومة المسلحة. ذلك انه في السابق كان «حزب الله» حركة مقاومة مسلّحة تضع الاولوية لحضورها العسكري والامني في لبنان والساحات الاقليمية مع الحفاظ على حضورها السياسي اللبناني والتسليم بالقيادة السياسية للرئيس نبيه بري.
وبعد الانتخابات النيابية استخلصت قيادة الحزب دروساً عدة وبدأت معها تطبيق تجربتها السياسية الجديدة، واتخذت قرارها الاول غير المعلن بالتعاطي مع حلفائها بالتزام كامل، ولكن من دون المبالغة في ذلك، بل تماماً كما تقتضي أصول التحالف بلا نقصان أو زيادة، وهذا ما ظهر في مسار المفاوضات الصعبة لتأليف الحكومة.
لاحقاً برزت اشارات ثلاث عكست شكل الثوب الجديد الذي يعتزم «حزب الله» ارتداءه:
ـ الاشارة الاولى، تتعلق بتعيين جميل جبق وزيراً للصحة فهو ليس من محازبي الحزب ولديه علاقاته بالمؤسسات الطبية الاوروبية، كما انه يحمل الجنسية الاميركية ولهذا معناه الكبير. وجبق الذي أمّن له السيد نصرالله حماية خاصة من خلال دعوة محازبيه الى عدم مراجعته او تشتيت تركيزه، باشر تقديم صورة نشطة عن عمله طارحاً اسلوب عمل وزاري جديداً لـ«حزب الله».
ـ الاشارة الثانية، فهي قرار «حزب الله» الذهاب في معركة محاربة الفساد الى النهاية. كثيرون شكّكوا لكنّ الحزب بدا جاداً على رغم إدراكه صعوبة المعركة ودقتها، هو تحدث الى الحلفاء بدءاً بحركة «أمل» التي اتفق معها على توحيد الجهود في مجلس النواب أو حتى في مجلس الوزراء حيث سيصوّت وزراؤهما جنباً الى جنب في حال الوصول الى هذه المرحلة. كذلك تفاهم «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» معلناً أنه لن يساير حتى وزراءه في هذا الملف.
ـ الاشارة الثالثة والمتعلقة بالعقوبة التي لحقت بالنائب نواف الموسوي.