هل يقترب لبنان، عبر حكومته ووزرائها، أو عبر مجلسه النيابي، المنتخب قبل نحو من عشرة أشهر ونوابه أيضاً من حافة الإصلاح أو حافة الاشتباك؟
سؤال فرضته معطيات الأيام والساعات الماضية، سواء لجهة ترقب المؤتمر الصحفي للرئيس فؤاد السنيورة غداً لدحض معطيات النائب حسن فضل الله، والتي تندرج وفقاً لاوساط مستقبلية في مهمة غير بريئة تعني «عرقلة برنامج الحكومة» واعاقة الإصلاحات والتشفي من إرث الشهيد رفيق الحريري وفريقه..
فوزير التربية السابق النائب مروان حمادة وصف رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان بأنه «روبيس بيار القرن الـ21» الذي فلت على التوظيف، متهماً سلفه وزير الدفاع الحالي إلياس بو صعب بأنه هو من بدأ التوظيف، مؤكداً: «نحن لم نوظف أحداً الا بقرار من مجلس الخدمة المدنية الذي لا يريدونه».
بدوره ردّ وزير الاتصالات محمّد شقير على ما تضمنه بيان وزير المال علي حسن خليل والمتعلق بموازنات هيئة أوجيرو والذي أشار إلى انه قرأ مضمون الكتاب المرسل إليه من زميله وزير المال عبر الإعلام، ولم يتسلمه بعد.
وفيما يعتزم الرئيس ميشال عون المشاركة في القمة العربية الدورية التي ستعقد في تونس نهاية آذار المقبل، بعد ان يكون مجلس الوزراء حجز الاعتمادات المالية لمشاركة لبنان، وصل إلى بيروت السفير الفرنسي السابق ميشال دوكان، المكلف بمتابعة تنفيذ مقررات «سيدر» وسيباشر اليوم لقاءات مع المستشارين والتقنيين للتباحث في هذا الموضوع، على ان يلتقي لاحقاً الرئيس الحريري وعدد من المسؤولين لهذه الغاية.
مجلس الوزراء
إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية له قبل ظهر اليوم في السراي الحكومي برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وهي الجلسة الأولى لحكومة «إلى العمل» التي تعقد في مقر الرئاسة الثالثة.
وعلى الرغم من ان جدول أعمال الجلسة عادي جداً، فإن مصادر وزارية اعتبرت لـ«اللواء» بأنه «طبيعي»، ورفضت اعتبار ان هناك جلسات غير مهمة، ورأت ان كل الجلسات التي تعقد هي مهمة وأساسية، خصوصاً وان جدول الأعمال يتضمن أكثر من خمسين بنداً.
واستبعدت المصادر ان تشهد جلسة اليوم أي مشاحنات سياسية بإعتبار ان الجدول لا يتضمن بنوداً خلافية، فضلاً عن ان الأمور متجهة نحو التهدئة، وتوقعت ان يطلع الرئيس الحريري المجلس على نتائج اللقاءات التي عقدها في شرم الشيخ على هامش مشاركته في القمة العربية - الأوروبية، وان تتم إثارة موضوع التصنيف البريطاني في ما خص «حزب الله» بجناحيه العسكري والسياسي من بعض الوزراء، وكذلك إلى مواقف الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن فريدريكا موغريني خلال زيارتها بيروت، ولا سيما في ما يتعلق بموضوع النازحين السوريين وتقديم الدعم والمساعدات للبنان في المجالات كافة.
إلا ان الرئيس الحريري يفضل تجنّب طرح الملفات الخلافية وتركها للاتصالات والتفاهمات الهادئة بين الكتل السياسية لكي يتسنى للحكومة إقرار المشاريع الملحة التي تهم النّاس والتي تتلخص بمعالجات سريعة لملفات النفايات والكهرباء والسير وغيرها.
واعتبرت المصادر ان الحكومة لا زالت في مستهل عملها وامامها الكثير من المواضيع التي سيتم اتخاذ القرارات بشأنها، بما في ذلك انجاز بعض التعيينات، خصوصا ان الرئيس الحريري يسعى لانجاح عمل حكومته من خلال تقريب وجهات النظر بين اعضاء الحكومة، وطرح المواضيع التي تعتبر خلافية في الوقت المناسب من خلال العمل على ازالة الاختلاف في وجهات النظر عليها من اجل اقرارها بطريقة سلسة.
ومن ضمن هذه المواضيع، الطلب الذي تقدّم به وزير الزراعة حسن اللقيس لزيارة سوريا بهدف البحث في موضوع تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية عبر معبر نصيب السوري، ومعالجة ملف ارتفاع رسوم الترانزيت السورية، وهو الموضوع الذي بحثه الوزير اللقيس أمس مع الأمين العام للمجلس الأعلى السوري - اللبناني نصري خوري.
وفي المعلومات ان مجلس الوزراء سيبحث هذا الموضوع، ولكن ليس في جلسة اليوم، على اعتبار انه يفترض ان يدرس بهدوء، وبمعزل عن أجواء التشنج التي رافقت زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب، باعتبار انها حصلت من دون اطلاع الحكومة مسبقاً عليها، خلافاً للخطوة التي اعتمدها اللقيس، والتي لاقت استحساناً من قبل وزراء «القوات اللبنانية».
الملفات المالية
اما بالنسبة إلى إمكانية إثارة ملف الاتهامات المالية التي يتعرّض لها الرئيس فؤاد السنيورة، في جلسة اليوم، فإن المصادر لم تشأ التكهن بهذا الأمر، معتبرة انه يعود إلى الوزراء، مع العلم ان فتح هذه الملفات ووضعها في إطار مكافحة الفساد من قبل «حزب الله» ومعه بشكل ضمني «التيار الوطني الحر»، صاحب كتاب «الإبراء المستحيل»، اثار تساؤلات عمّا إذا كانت بتوقيت سياسي، ويستهدف بشكل مباشر أو غير مباشر رموز تيّار «المستقبل» أو للضغط على الرئيس الحريري الذي قابل أمس الأوّل رئيس المجلس نبيه برّي في عين التينة، بشكل مفاجئ وسريع، ما أعطى انطباعاً بأن الزيارة من أجل ضمان عدم تصعيد الموقف وتبريد الأجواء السياسية.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر «المستقبل» لـ«اللواء» ان الرئيس الحريري مستاء جداً من الاتهامات التي طاولت الرئيس السنيورة، مشيرة إلى ان البيان الذي أصدرته كتلة «المستقبل» النيابية كان تعبيراً واضحاً عن مواقف رئيس التيار اي الرئيس الحريري، خصوصا ان هناك استهدافاً سياسياً مباشراً للمستقبل، وقد بدأ اول بوادره الرسمية الاسبوع الماضي من خلال قرار المجلس الدستوري باصداره قرار الطعن بنيابة عضو الكتلة ديما جمالي، وشددت المصادر على ان الرئيس الحريري يرفض التحدث حول خلفيات هذه الاستهدافات، وما إذا كانت فقط من «حزب الله»، اما ان وراءها جهات أخرى، خاصة بعد دخول الرئيس السابق اميل لحود على الخط مصوباً على السنيورة.
وأشارت المصادر إلى ان الرئيس السنيورة يعكف على تحضير كافة ملفاته بشكل تقني، وبالارقام للرد في مؤتمره الصحفي الذي تقرر ان يعقد غداً في نقابة الصحافة، على كل حملات الاتهام والتشهير التي يتعرّض لها بشكل مباشر، ولفتت إلى انه سيضع النقاط على الحروف، خصوصا ان سجله معروف وهو من أكثر الأشخاص الذين حافظوا على الدولة واموالها رغم الضغوطات التي تعرض لها حينها ولا يزال حتى اليوم.
«لقاء الاربعاء»
لكن مصادرنيابية شاركت امس في «لقاء الاربعاء النيابي» للرئيس بري، اكدت لـ«اللواء» ان جو اللقاء تركز على موضوع مسار الحسابات المالية ومكافحة الفساد، وان بعض النواب استفسر عن المسار الذي ستسلكه قضية الحسابات المالية؟ فرد بري بأنها ستسلك الطريق السليم وهو احالة هذا الملف الى المؤسسات الرسمية المختصة اي ديوان المحاسبة والقضاء المالي، مشيرة الى ان لا توقيت سياسيا لفتح القضية انما السبب الوحيد لإثارة الموضوع الان هو ان وزارة المالية انتهت من الملف واوضحت كل الامور المتعلقة بهذه الحسابات منذ العام 1993 وحتى العام 2017، ووضعت تقريرها ورفعته لرئيس المجلس.
وسيكون لوزير المال علي حسن خليل مؤتمر صحفي الأسبوع المقبل للحديث عن موضوع الحسابات، واصفاً الموضوع بأنه دقيق ولا يجوز تناوله في الإعلام، لكنه رفض الخلط بين الحسابات ومبلغ 11 مليار دولار.
اكدت المصادر ان لا استهداف سياسيا لأي طرف خاصة انه لم يتم توجيه اي اتهام لأي طرف على امل ان يأخذ القضاء مجراه، وهذا ما اكده بري ايضا حيث ان ملف الحسابات المالية هوجزء اساسي من قضية مكافحة الفساد التي يصر عليها كل الاطراف بمن فيهم الرؤساء الثلاثة. مشيرة الى ان الملفات تعود لحكومات تولاها رؤساء حكومة ولوزراء مال من اطياف سياسية مختلفة.
واشارت المصادر الى ان موضوع الحسابات المالية هو جزء اساسي من موضوع مكافحة الفساد ومن الرقابة البرلمانية على الحكومة التي طالب بها معظم الاطراف، والهدف الاساسي ان يأخذ القضاء مجراه وان يتم تنظيم اوضاع المالية العامة بشكل سليم وشفاف بحيث لا تضيع المعايير والمسؤوليات، وقالت المصادر: اذا لم تتم عملية مكافحة الفساد التي يتغنى بها الان كل الاطراف السياسية، فلا لزوم لإثارة الكلام حولها، ولتبقى شريعة الغاب والفوضى متحكمة بعمل الادارات الرسمية.
واشارت إلى أن عددا من نواب «كتلة المستقبل» كان حاضرا لقاء الاربعاء النيابي وسمع الحديث عن هذا الموضوع،ولم يصدر اي تعليق عنم لأنهم مع تولي القضاء هذا الملف.
وكان الرئيس بري قد اكد امس، «ان المجلس سيمارس دوره الرقابي بأقصى الدرجات، مشيرا الى أن ما قبل جلسة الثقة شيء وما بعدها شيء آخر. واعتبر ان إجتماع 54 نائباً من كل الكتل النيابية على مكافحة الفساد يفترض اقران القول بالفعل والذهاب في هذا الموضوع الى النهاية».
ونقل النواب عنه قوله: انه تشاور مع رئيس الحكومة وسيدعو الى جلستين متتاليتين في النصف الاول من اذار، واحدة لإنتخاب المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والثانية تليها مباشرةً وهي جلسة تشريعية لإقرار القوانين المنجزة والملحّة. كما سيعقد جلسة رقابية في النصف الثاني من آذار في إطار ما التزم به بعقد جلسات رقابية شهرية.
وقال بري بحسب النواب: لا توجد إهانة على الإطلاق في طلب اي وزير للمساءلة او التحقيق في اي ملف من الملفات.
وبالنسبة الى موضوع التعيينات اكد الرئيس بري كما نقل عنه ان على الحكومة إعتماد الآلية التي اتبعت سابقاً. وجدد تأكيد تطبيق القوانين، مشيراً الى ان اللجنة التي شكلها برئاسة النائب ياسين جابر ستتابع عملها ولقاءاتها في إطار العمل على تطبيق القوانين التي لم تنفذ.
التوظيف العشوائي
تزامناً، كشف رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان، عن وجود 15200 بين موظف ومتعاقد جرى التوظيف أو التعاقد معهم خارج التوصيف الوظيفي، وهو يُشكّل مخالفة للقانون يجب ان تتوقف. كما كشف عن توجيهه كتاب إلى ديوان المحاسبة للتحقيق، ووقف الصرف عن المخافين في ملف التوظيف العشوائي بموجب المادة 86 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، ما يعني وقف الرواتب عن اكثر من خمسة آلاف موظف جرى التعاقد معهم خلال العام 2017، داعياً إلى عدم الاتكال على حماية سياسية أو السقف العالي المواقف، لأن اللجنة النيابية بحسب قوله مصممة على الذهاب بملف التوظيف إلى النهاية وليتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه الرأي العام».
وكانت اللجنة واصلت اجتماعاتها أمس برئاسة النائب كنعان، حيث استمعت إلى وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان حول تقريري التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية بالنسبة للتوظيف الذي حصل في وزارة للشؤون لكن كنعان أكّد بعد الاجتماع ان وزير الشؤون لم يتعاقد أو يوظف أحداً، وقد أنهى التعاقد مع من لا حاجة لهم، وهو ما أكده لاحقا الوزير السابق النائب بيار بوعاصي، مشيرا إلى ان ما قام به هو في صلب ايمانه ببناء دولة القانون والمؤسسات، لافتا الى انه «خفض عدد المتعاقدين وأستغني عن نحو 600 متعاقد التزاما منه بعدم التوظيف العشوائي».
وتعهد كنعان بالاستماع إلى سائر الوزراء، بما في ذلك وزير الخارجية جبران باسيل، وانه أعاد توجيه الدعوة لوزير التربية اكرم شهيب عبر رئاسة المجلس لجلسة تعقد الثلاثاء المقبل، في حين ان وزير الصحة جميل جبق اعتذر عن عدم الحضور بداعي السفر، وانه سيتم الاستماع إليه في جلسة لاحقة، لافتا، الانتباه إلى ان هناك من لا يتعاون مع التفتيش ولا يعطيه الأرقام بالشكل المطلوب، مشيرا إلى ان نسبة التعاون هي أقل من 10 في المائة.
تحقيقات رشاوى المخدرات
في هذا الوقت تفاعلت قضية التحقيقات الجارية في ما عرف بـ «رشاوى المخدرات» بعد توقيف أحد أكبر تجار المخدرات مهدي.م، الذي تمكن وفقا لمعلومات خاصة لـ «اللواء» من تشغيل أحد الأشخاص النافذين، أو السماسرة، لتبرئة ساحته، بعد توقيفه، وإيجاد تعليلات صحية ونفسية لاطلاق سراحه..
وانشغلت دوائر قصري العدل في بيروت وبعبدا بمتابعة تداعيات توقيف بعض المتورطين، في منتجع سياحي في جبيل، وعددهم يتجاوز الأربعة، بصورة بالغة الكتمان، لا سيما وان «المعلومات المؤكدة تتحدث عن تورط 6 قضاة وعدد من الضباط في هذه القضية، حيث بلغت بعض الدفعات مئات ألوف الدولارات».
وتجري التحقيقات بسرية تامة بإشراف النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، وبمتابعة من قبل وزير العدل البرت سرحان، الذي أصدر مكتبه الإعلامي بياناً لم ينفِ الضجة الحاصلة على صعيد المعلومات والتوقيفات، ومما تضمنه انه «يهم المكتب الإعلامي (للوزير) أن يوضح أن هذه المسألة كانت موضع تداول مع المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي أكد أن الملف هو موضع متابعة لجهة القضاء العسكري في الشق المتعلق به وفي الجزء الآخر منه مع المراجع القضائية من قبل النيابات العامة المختصة وتحت إشراف المدعي العام التمييزي، كما أن وزير العدل أعطى الإذن لملاحقة عدد من المساعدين القضائيين المعنيين بهذا الملف، وقد تقرر عقد اجتماع الأسبوع المقبل في حضور المدعي العام التمييزي للنيابات العامة الإستئنافية والمالية والعسكرية للتداول في إجراءات هذه النيابات.
وأهاب المكتب بوسائل الإعلام الحفاظ على سرية التحقيقات القضائية، خصوصا تلك التي لها الطابع السري».