إذا كانت كل هذه الرحلة المحاطة بالتشويق وشد الأنظار الى ملفات الفساد التي يتباهى “حزب الله“ بانه سيكون من روادها ستتكشف عن نزعة الحزب الدائمة الى التشفي ومحاولة تشويه بعض خصومه ولا سيما منهم الرئيس فؤاد السنيورة فلا حاجة والحال هذه الى مزيد من التضخيم الدعائي لانه سيكون محكوما بضعف الصدقية ضعفا بنيويا.
تشكل عودة الحزب الى الضرب على حقبة الانشقاق والتعطيل والاعتصامات المفتوحة لقوى 8 آذار بعد حرب تموز ووضع رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة في عين العاصفة التي يريد لها الهبوب من باب ملفات الفساد والإهدار ومحاكمة تلك الحقبة مشروع محاكمة من مقلبين احدهما يمكن ان ينقض من خلاله الحزب على بعض خصومه والآخر يمكن ان يعرض الحزب لانقضاض من خصومه لا يقل عتوا وشراسة.
واغلب الظن انه ما دام الحزب يأخذ الزاوية الاكثر استسهالا لاثارة ما يظن انه قادر على التحكم به من خلال محاكمة سياسية وقضائية حاول مرات عدة القيام بها ولم يبلغ بها هدفه فان النتائج لن تختلف هذه المرة ايضا نظرا الى طغيان مآرب التصفية السياسية التي تقلل الى حدود كبيرة القيمة الموضوعية لمضمون اتهامي يصدر عن فئة حزبية اولا وتاليا عن فئة تشوب سلوكياتها الشكوك اكثر من سواها لجهة تسببها بالكثير من وهن الدولة وماليتها وتراجعهما بفعل السلاح الذي يعد احد معضلات البلد الاساسية سواء في الحقبة التي يريد الحزب محاكمة خصومه عنها او في اي حقبة قبلها او بعدها.
وهو امر يعيد اثارة التساؤلات عما يريده الحزب من خلال اعلاء الدعائية المركزة في مسائل الفساد ، وهو امر ايجابي للغاية من الناحية المبدئية ولا يمكن اي جهة عدم الترحيب به ولكن سرعان ما تتبدد هذه الانطباعات لدى استعادة الحزب تلك النزعة الفورية التي تشبه سلوكيات نمطية في نبش الحساسيات العالية الوتر عبر استهداف خصومه كأنه المرجع الصالح لمحاسبتهم. واذا كان يعود للحزب تقدير الحسابات الخاصة به لجهة ما سيكسبه او يخسره من هذه السياسيات الجديدة – القديمة فلا شك في ان اي جنوح نحو تسييس مسائل مكافحة الفساد ضمن الحكومة والتي يفترض ان تشكل خطا بيانيا ثابتا بعد التعهدات الطويلة العريضة المقطوعة في شأنها امام الرأي العام الداخلي والخارجي ستشكل مقتلا سريعا للغاية لهذه التعهدات ما لم تقترن بالآليات الموضوعية المطلوبة لإحالة ملفات الفساد على قضاء مؤهل وجاهز ومتمتع بالصدقية والتجرد والا عبثا يبني البناؤون.
ليست هذه المسألة مسألة ترف سياسي يحلو لاي فريق دغدغة الناس بها ظرفيا ومن ثم تحويلها الى أفخاخ سياسية سرعان ما ستشعل المعارك السياسية وتقوض كل جهد مأمول حقيقي في حصول بعض التنقية المالية والإدارية والأخلاقية في صورة الدولة وهيكليتها المتأكلة. واذا كانت نزعات التصفية السياسية ستتصاعد من اول الطريق فالأفضل والحال هذه إفهام الناس بان أهازيج مكافحة الفساد لم تكن سوى ذر للرماد في العيون لان الوقت لن يطول في كل الأحوال لكي تقوم موجات في مواجهة موجات بما يؤدي الى صفر مكافحة فساد… وربما هذا تماما ما يتوسله بعض متقدمي الواجهات الآن.