لبنان وشعبه شيء و”حزب الله” شيء آخر. هذا ما أراد الرئيس سعد الحريري تسليط الضوء عليه حين اعتبر قرار حظر الجناح السياسي لـ”الحزب” أمراً “يخص بريطانيا وليس لبنان”. وبمعنى آخر، فإن مشاكل “الحزب” مع الخارج لا تعني لبنان، وحتى لو كان “الحزب” يوجد على الأرض اللبنانية إلا أنه ينتمي الى دولة أخرى هي ايران. وإذ يفيد وزير الصحة جميل جبق، في موقف سياسي، بأن “الحزب” يشكّل “شريحة كبيرة من الشعب”، فهذا توصيف لا يسوّغ الممارسات التسلّطية لحزبه في الداخل ولا أنشطته المصنّفة إرهابية في الخارج. أما زميله جبران باسيل الذي ذهب أبعد منه ايديولوجياً، بقوله إنه “لو وقف العالم بأجمعه وقال إن المقاومة إرهاب، فهذا لا يجعل منها ارهاباً بالنسبة الى اللبنانيين”، فكان “وفيّاً” كالعادة لحليفه من دون الدفاع – في هذه المرحلة على الأقل – عن مغامراته خارج الحدود.
يعزو “الحزب” أي حملة عليه الى مقاومته لإسرائيل، ولا شيء آخر غيرها، لكن المقاومة متوقفة منذ القرار 1701، ومع أنه كان موضع استهداف غربي منذ ثمانينات القرن الماضي بسبب خطف الرهائن والعمليات المعروفة ضد “المارينز” وغيرهم، إلا أن مقاومته الاحتلال الإسرائيلي آنذاك لم تأتِه بعقوبات أو حتى بتصنيفات ارهابية كانت إسرائيل تروّجها ضدّه. ويعزو “الحزب” أيضاً أي حملة عليه الى اندراجه في “الحرس الثوري”، مكرّراً عبر أقطابه افتخاره بهذا الارتباط المقدّس مع نظام الملالي، غير مكترث باستراتيجية التخريب المنهجي التي اتّبعتها ايران وظهرت نتائجها في سوريا والعراق واليمن، كما في لبنان. الأكيد أن هذه “الشريحة الكبيرة من الشعب” اللبناني (جمهور “الحزب” وحلفائه) لم تفوّض اليه المشاركة في هذا التخريب بل تبوؤ قيادته أحياناً.
كان التمييز بين الجناحين العسكري والسياسي لـ”الحزب” بدأ مع دخوله الحكومة للمرة الأولى في 2005، واعتقد الداخل والخارج معاً أنها خطوة للخروج من حال الميليشيا الى حال الحزب السياسي. وسرعان ما خاب الأمل وبان الخداع، كما ساهم دور “الحزب” في الاغتيالات واستباحته بيروت وذهابه الى القتل في سوريا وغيرها، ليس فقط باستعادته طبيعته الإرهابية بل في ممارستها داخلياً. وها هو “الحزب” المصنّف دولياً يسيطر على الدولة اللبنانية ويتأهب لتغيير النظام مستغلّاً الغباء الانتهازي لحلفائه ومستنداً الى غياب “جناح عسكري” لدى خصومه.
اعتاد “الحزب” أن يستهزئ بالعقوبات أو بتصنيفه ارهابياً، من قبيل الغطرسة وفائض الثقة، لكن كيف يمكن أن ينظر الى النأي بالنفس عنه في ما يواجهه خارجياً؟ لا بدّ أنه كان يفضّل دفاعاً واضحاً عنه، لكن هذا بات مكلفاً جداً، لذا يكتفي بالاستفادة من زئبقية المواقف التي تبرز “المقاومة” ولو في غير موضعها وتغفل السلاح غير الشرعي مع أنه مشهرٌ دائماً ضد اللبنانيين أولاً.