يبدو أن الحرب التي يقودها حزب الله على الفساد في لبنان، سوف تُفسد الود الذي كان قائما بينه وبين بعض الأطراف السياسية، وهي قد تعيد عقارب الساعة الى الوراء لجهة الاتهامات المتبادلة والتوترات في الشارع، فضلا عن الشحن الطائفي والمذهبي الذي قد يستخدمه كثيرون للتلطي خلفه تحت شعار ″الاستهداف″.
لا شك في أن الفساد في لبنان أصبح نظام حياة، وهو تمدد في الآونة الأخيرة بشكل أفقي ليطال أغلبية المؤسسات في الدولة، فضلا عن بعض الصفقات والسمسرات والتلزيمات بالتراضي والأموال الطائلة التي جناها البعض، ما جعل السلطة السياسية برمتها متهمة بالفساد بنظر الشعب اللبناني، لينبري من هذه السلطة مؤخرا حزب الله ويرفع سيف محاربة الفساد وكشف الفاسدين، الأمر الذي لم يرق لبعض الأطراف التي بينها وبين الحزب خصومة سياسية، وهي لا تتوانى عن إتهامه بالفساد، ما يشير الى إشتباك سياسي عنيف قد يشهده لبنان على خلفية هذا الملف الساخن.
أولى ترجمات ملف الفساد ظهرت يوم أمس بخروج الرئيس فؤاد السنيورة عن صمته بعد الاتهامات المبطنة التي وجهها المكلف من حزب الله النائب حسن فضل الله له، حيث رد المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة السابق بعنف على الحزب معتبرا أن ما يقوم به هو ″حملة افتراء وتضليل تُشَنُّ بأهداف سياسية″.
وفي الوقت الذي يعقد السنيورة مؤتمرا صحافيا يوم غد الجمعة للرد على إتهامات حزب الله، وجد رئيس الحكومة السابق من يسانده ويدعمه، ويعتبر أن ما يتعرض له هو ″إنتقام وكيدية، وإستهداف لرجالات قوى 14 آذار″، متهما حزب الله بالفساد″، كما إشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالاتهامات والاتهامات المضادة وصولا الى الشتائم.
لا يختلف إثنان على أن لبنان لا يمكن أن يصمد أو أن يكمل مسيرته في ظل الفساد المستشري الذي يتحكم بكل مفاصل مؤسساته وإداراته، وأن لا بد من إيجاد وسيلة لمكافحته، سواء للحفاظ على المال الموجود، أو للاستفادة من القروض الجديدة التي أقرها مؤتمر ″سيدر″.
أما بالنسبة للمال المنهوب فيبدو أن إستعادته أو إتهام أي طرف سياسي أو أي طرف إداري محسوب على مرجعية سياسية أمر من سابع المستحيلات في ظل الحالة الطائفية والمذهبية التي تسيطر على البلد برمته، وتشكل غطاء لكل من يمكن أن توجه له أصابع الاتهام.
أمام هذا الواقع، من هي الجهة التي يمكن أن تكافح الفساد، أو أن تفتح الملفات القديمة؟، فهل يرضى تيار المستقبل أن يوجه حزب الله إتهامات لبعض أركانه بالفساد مهما كان نوعه؟، وكيف يمكن أن يتصرف الرئيس سعد الحريري في حالة من هذا النوع؟، ثم كيف ستكون ردة فعل الشارع السني على هذه الاتهامات؟، وهل يرضى حزب الله إتهامات بهدر مال الدولة من أي جهة كانت؟، وكيف سيكون موقف الشارع الشيعي؟، ومن يستطيع أن يوجه إتهامات من هذا النوع الى التيار الوطني الحر، أو الى الى حركة أمل أو الى الحزب التقدمي الاشتراكي وغيرهم، خصوصا أن لكل هذه التيارات والأحزاب شوارع معبئة مستعدة للتحرك عند أي ضرر يمكن أن يمس الطائفة أو الزعيم أو حاشية الزعيم وأنصاره.
يقال أن لبنان لا يمكن أن يشهد أي نوع من الثورات، لأن أي تحرك في الشارع سيواجهه شارع مقابل، وتستعاد مفردات الفتنة وصولا الى قرع طبول الحرب الأهلية، وهكذا هو حال مكافحة الفساد في بلد الكل فيه متورط، والكل فيه يتحصن بالعفة، والكل فيه مستعد للتحرك ولو أدى ذلك الى الخراب في حال واجه أي إتهام من أي طرف آخر.
كل ذلك يؤكد أن ما يجري حاليا ربما يكون إضاعة للوقت، لأن مكافحة الفساد بمفعول رجعي أمر غير وارد، ما يتطلب بعضا من الوعي والحكمة، بطيّ الصفحة الماضية بكل ما فيها، وفتح صفحة جديدة من الشفافية والحد من الفساد، ومواجهة كل فاسد بالجرم المشهود ومعاقبته الى أي حزب أو طائفة إنتمى، قبل أن تؤدي الاتهامات التي بدأت توجه الى هذا وذاك الى ما لا يحمد عقباه.