تشير المعلومات إلى أنّ أعضاء المجلس الدستوري الذين خالفوا القرارات الصادرة في ملف الطعون أظهروا، في بعض الأوساط المعنيّة، اتجاهاً إلى ترجمة اعتراضاتهم بمقاطعة أي جلسة يعقدها المجلس لاحقاً. والأعضاء الـ3 هم: زغلول عطيّة، أنطوان مسرّة، سهيل عبد الصمد، ويتعاطف معهم نائب الرئيس طارق زيادة.
في هذه الحال، سيكون المجلس في وضعية الشلل المحتوم. فعدم مشاركة 3 (أو أكثر) من أصل 10 أعضاء يشكّلون المجلس الدستوري سيؤدي إلى تطيير النصاب القانوني للجلسات المقبلة، وهو 8 أعضاء. وستكون لذلك الأمر تداعياته الخطرة على الورشة التشريعية التي ستنطلق قريباً في المجلس النيابي، والتي تستمرّ حتى أيار المقبل.
فإذا عمد عشرة نواب، أمام المجلس الدستوري، إلى الطعن بأي قانون سيصدر عن المجلس النيابي، فإنّ هذا الطعن سيسقط حُكماً بسبب عدم تمكُّن الدستوري من عقد جلسةٍ للبتّ به. وفي القانون، إذا لم يبتّ المجلس الدستوري بالطعن، قبولاً أو رفضاً، خلال شهرٍ من تاريخ تقديمه فإنه يُعتبر مردوداً.
ويَخشى المطلعون أن يؤدي شلل المجلس الدستوري إلى أن «يَفْلت المْلَقّ» في المجلس النيابي، إذ لن يخشى أحدٌ أن تتعرّض القوانين الصادرة للطعن، ولو كانت تعتريها الثغرات أو الأخطاء والتجاوزات.
لذلك، يجري التداول في عدد من الأوساط بضرورة الإسراع في تشكيل مجلس دستوري جديد، علماً أنّ المجلس الحالي الذي تمّ تشكيله عام 2009 انتهت ولايته عام 2015 (الولاية 6 سنوات).
ولكن، في ظل الظروف الصعبة التي كان يمرّ بها البلد (تعذُّر انتخاب رئيس للجمهورية ومجلس نيابي جديد)، بقي المجلس قائماً. وينصّ القانون على أن المجلس الدستوري المنتهية ولايته يستمرّ في أداء مهماته إلى أن يتمّ تشكيل مجلس جديد.
يعتقد البعض أن هناك ضرورة لفتح باب الترشيح لاختيار 10 أعضاء جدد (يتوزّعون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويختار نصفهم المجلس النيابي ونصفهم الآخر مجلس الوزراء). لكن المشكلة هي أنّ المدّة التي تستغرقها العملية ستطول أشهُراً عدة، والبعض يقدّرها بـ6 أشهر.
ففي البداية سيتم تقديم الترشيحات ثم تُدرس الأسماء والموافقة على كل ترشيح. ثم يتمّ اختيار الأعضاء الجدد في مجلس الوزراء ويُحال القانون إلى اللجان ثم الهيئة العامة للمجلس النيابي لإقراره. وبعد ذلك، يتمّ النشر في «الجريدة الرسمية».
وهذا يعني أنّ فترة الانتظار ستكون طويلة نسبياً، فيما الجميع يستعجل الورشة التشريعية التي يجب أن يواكبها المجلس الدستوري بدينامية، ليبدأ العمل سريعاً على تنفيذ المشاريع التي تمّ إقرارها.
وفي واقع الحال، كان باب الترشيح قد فُتِح في نهاية العام الفائت 2018. ولكن، يتحدّث البعض عن إشكالٍ أظهرته النتائج. فالأعضاء المسيحيون الـ5 في المجلس يجب أن يكونوا موزّعين مذهبياً كالآتي: مارونيان وأورثوذكسيان وكاثوليكي. وقد تقدَّم 18 مارونياً بترشيحاتهم، وهناك عدد كافٍ من طائفة الروم الكاثوليك. ولكن، هناك مرشحان اثنان فقط عن الروم الأورثوذكس، أي أنّ عدد المرشحين كان مساوياً لعدد المقاعد.
وعند تأليف الحكومة، تمّ تعيين أحد هذين المرشحين الأورثوذكسيين، وهو القاضي البير سرحان، وزيراً للعدل. فباتت هناك حاجة إلى مرشح أورثوذكسي بديل لملء المقعد الثاني المخصّص للطائفة. وثمة مَن يتذرّع بهذه المسألة ليطالب بالإبقاء على المجلس الحالي حالياً.
لكن المطلعين يقولون إنّ من غير المنطقي وقف عملية تشكيل مجلس دستوري فاعل وقادرعلى مواكبة الورشة التشريعية الطارئة لأسباب واهية. والحلّ الذي يقترحه هؤلاء يكون إما بتولّي المقعد الأورثوذكسي الشاغر ماروني أو كاثوليكي، استثنائياً، وإما بتسليم المقعد لمرشح من الأقليات المسيحية.
وسبق أن تمّ اعتماد هذا الخيار في حالٍ مماثلة مرَّ بها المجلس الدستوري، وفي المقعد الأورثوذكسي أيضاً، عندما تمّ اختيار غبريال سرياني، وهو من الأقليات.
ويتردّد أن تجاذبات ساخنة تدور بين أعضاء المجلس، وأن بعض أركانه عمدوا إلى وضع بعض أركان الحكم في الصورة. وثمة مَن يعتقد أنّ الحاجة إلى الورشة التشريعية هي المبرِّر الذي يدفع إلى الإسراع في تشكيل مجلس دستوري جديد يشكّل الضمان للحياة التشريعية المهدَّدة حالياً، في أحلك الظروف.
ومن الطبيعي أن يكون الرئيس سعد الحريري من أكثر المتحمسين لتحقيق هذه الغاية، خصوصاً بعد ما تعرَّض له من «غدرٍ» (حسب تعبيره) في ملف الطعون. فهل مِن أحد يمكن أن يكون مستفيداً من تعطيل المجلس الدستوري خلال هذه المرحلة؟ ولماذا؟