إن الحديث عن حياة ألامام والعالم الكبير المرجع السيد محمد باقر الصدر" قدس سره" حديث عن حياة زاخرة ومليئة بالاحداث والمواقف والنشاطات الثقافية والفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية, وقد يحتاج المرء الى وقت طويل للبحث عن كل انجازاته واعماله وما دوّنه وكتبه من ابحاث ودراسات في جميع المجالات والميادين العلمية والاجتماعية والاقتصادية الخ ... وهنا لا بد من إضاءة على بعض ما كتبه ونظّر له على المستوى النظرية السياسية ."في نظريته للشورى والحزب " لقد بدأ الشهيد الصدرتصوره للنظرية السياسية إنطلاقاً من عدة نقاط فقهية وعلمية ,الاولى :أن الشهيد لم يتم لديه دليل واضح على صيغة الحكم بشكل خاص حيث كتب في بداية تكوين التصور السياسي رسالةً ناقش فيها جميع الادلة التي يذكرها الفقهاءعلى الصيغة الخاصة للحكم الاسلامي سواء روايات "ولاية الفقيه المطلقة " أو دليل "الحسبة " الذي كان يراه دليلاً قاصراً عن الوفاء بجميع متطلبات الحكم الاسلامي ... الثانية : الاستفادة من آية الشورى "وأمرهم شورى بينهم " للدلالة على إمكان إقامة الحكم الاسلامي على قاعدة الشورى باعتبار"الحكم " يمثل أمراً مهماً من امور المسلمين ولا يمكن تجاهله في مجتمعهم لأن التجاهل يؤدي الى تهديد أصل الدين بالاضافة الى سيطرة الكفار وعقائدهم على المجتمع الاسلامي ولا بد من الالتزام بحكم الاكثرية لأن الاجماع في الامور الاجتماعية أمر نادر وهذا يعني ان إقامة الحكم على أساس الشورى يعني الرجوع الى الاكثرية وإلا تعطلت آية الشورى ولم يكن لها مدلول عملي وهذا ما أشار اليه تلميذه السيد محمد باقر الحكيم ونقله عنه رحمة الله عليهما .... وأما من جهة تنظيره لتأسيس وبناء وتصوّر الدولة الاسلامية بإطارها العام والواسع والشامل كان عبر مؤلفاته القيّمة . أقتصادنا .. فلسفتنا .. والبنك أللاربوي في الاسلام . والجدير ذكره أنه لم يحصل حتى الآن توافق أو إتفاق بين المفكرين على تحديد ماهية مفهوم الدولة ,ولا حتى على وظائفها ومهامها وحدود تلك الوظائف والمهام , فمثلاً يرى أستاذ القانون الدستوري الفرنسي " أيسمان " أن الدولة هي التجسيد الحقوقي لهوية ألامة أي انها المؤسسة التي تمسك بمقاليد السلطة السياسية والتي تمارس سلطتها بأسم ألأمة وهي الموقع الذي يحقق القدرة بعد ان أخذت طابعها المؤسساتي والحقوقي والقيمي . أما عالم الاجتماع الفرنسي "ماكس فيبر" وعالم السياسة "ليون دوكية " فهما الدولة مظهراً من مظاهرالعنف والقوة والتسلط, فالدولة عندهم هي إحتكار القدرة على إلزام ألاخرين والتي تمسك بها فئة أجتماعية أنها قدرة الاكثر سطوة في السيطرةعلى الاكثرضعفاً .وبعبارة أخرى اخضاع الاكثرية لسلطة الاقلية .وهذه الرؤية في واقع الامر رؤية وضعية مادية تقابلها رؤية دينية إسلامية عبّرعنها الشهيد الصدر في كتابه "الاسلام يقود الحياة " حيث كتب يقول : ان الدولة ظاهرة اجتماعية أصلية في حياة الانسان وقد نشأت هذه الظاهرة على يد الانبياء ورسالات السماء واتخذت صبغتها السوية ومارست دورها السليم في قيادة المجتمع الانساني وتوجيهه من خلال ما حققه الانبياء في هذا المجال من تنظيم اجتماعي قائم على اساس الحق والعدل يستهدف الحفاظ على وحدة البشرية وتطوير نموها في مسارها الصحيح . وقد استند في ذلك الى قوله تعالى "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين التاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم " ومن خلال تلك الرؤية يتضح لنا المنحى الايجابي للدولة تاريخياً لا باعتبارها ظاهرة سلبية تقوم على العنف والقوة والتسلط بل انطلاقاً من كونها وسيلة لبناء مجتمع مثالي "قائم على اساس الحق والعدل " ومن الطبيعي ان ذلك سيفضي حتماً الى مناقشة وبحث كثير من المسائل المتعلقة بترسيخ تلك الرؤية على ارض الواقع فالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمعايير والسلوكيات الثقافية ستتحدد وفقاً لمنظومة القيّم والمبادئ الاسلامية , اي ان الدولة ليست ظاهرة فوقية بحسب الاسلام مثلما تذهب الى ذلك النظريات الليبرالية الغربية والماركسية وانما هي بناء متكامل يسعى الى احداث توازن موضوعي سليم بين الحكام والمحكومين من خلال صياغة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي يضمن الحقوق للجميع ويرتب الواجبات على الجميع وذلك ما كان الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله من ابرز رواده المعاصرين وهذا ما نقله عنه وأشار اليه "احمد عبد الرحمن "
الشيخ محمد حسني حجازي
الشهيد الصدر... أُمّة في رجل
الشهيد الصدر... أُمّة في رجلالشيخ محمد حسني حجازي
NewLebanon
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
597
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro