يراقب لبنان التحولات الاقليمية الجارية متخوّفاً من ارتداداتها وانعكاساتها على ساحته، وكذلك من تداعيات القرار البريطاني الاخير في حق «حزب الله».
وقد تلقى عشيّة وصول المنسق الفرنسي لمؤتمر «سيدر» بيار دوكان الى بيروت جرعة دعم اوروبي متجدّد عبّرت عنها الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والامنية فيديريكا موغيريني، مؤكدة للمسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم أمس التزاماً اوروبياً قوياً بوحدة لبنان وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه، واستمراراً في دعم قوات «اليونيفيل» في دورها بالمحافظة على السلام على حدود لبنان الجنوبية.
وأكدت استعداد الاتحاد الاوروبي لمزيد من التعاون مع لبنان على صعيد الاصلاحات والاقتصاد، خصوصاً بعد تأليف الحكومة. وأبدت رغبة الاتحاد بمواكبة لبنان في تنفيذ برنامجه الإصلاحي ودعم الحكومة والمجتمعات المضيفة في استضافة اللاجئين السوريين.
التجاذب مستمر
في غضون ذلك إستمرّت التجاذبات السياسية حول الملفات الداخلية وأبرزها ملف مكافحة الفساد، وكان التطور البارز فيه رَد الرئيس فؤاد السنيورة العنيف على «حزب الله»، على أن يردّ بعد غد الجمعة بمؤتمر صحافي. والملف الثاني البارز هو ملف عودة النازحين، وسينعقد على وقع هذين الملفين مجلس الوزراء في جلسة هي الثانية له بعد نيل الحكومة الثقة، وذلك عند الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد الخميس في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، وعلى جدول أعمالها 52 بنداً.
وعلمت «الجمهورية» انه بعد الاشتباك السياسي الذي شهدته الجلسة الاولى لمجلس الوزراء، جرت اتصالات على مستويات عدة للتهدئة وعدم حصول اي سجلات على خلفية المواقف التي اعلنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتكريساً للتهدئة تقرر أن تنعقد جلسة مجلس الوزراء الثانية في السراي الحكومي بجدول اعمال عادي من دون التطرق الى اي ملفات خلافية، على ان تتوصّل الإتصالات الى بلورة نهج موحّد تتعاطى بموجبه الحكومة مع كل الملفات، وعلى رأسها ملف النازحين الذي قيل انّ الموقف منه ستكون نواته ما أكده عون في هذا الصدد.
وتوقفت مصادر مطلعة أمس عند مضمون بيان كتلة «المستقبل» الذي أعاد التذكير بدعوة الحريري «الى تجنّب المشكلات على طاولة مجلس الوزراء، ووجوب تركيز الجهد على إعداد الآليات القانونية والتشريعية للبرنامج الحكومي» وشموله هذه الدعوة «من باب أولى» رئيس الجمهورية الذي «أقسم يمين الحفاظ على الدستور»، فرأت فيها «إشارة واضحة الى انّ الحريري «لم يهضم» بعد «المداخلة التي أنهى بها عون الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في قصر بعبدا الخميس الماضي، والتي تجاوز فيها حد الدستور عند حديثه عن الصلاحيات».
وقالت مصادر السراي الحكومي لـ«الجمهورية»: «انّ حرص «المستقبل» ورئيس الحكومة شخصياً على التعاون بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء لا يعني القبول بأنهما لا يشاركان في اي قرار يؤمّن المصلحة اللبنانية العليا، وانّ مسؤوليته واضحة في الدستور الذي يقول كلمة واضحة في صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية».
بري ـ الحريري
وكان الحدث اللافت أمس زيارة مفاجئة وسريعة قام بها الحريري أمس الى عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري نحو ربع ساعة.
وفيما تكتّمت أوساط بري على ما دار بينهما، لاحظت مصادر متابعة حصول الزيارة إثر عودة الحريري من القمة العربية ـ الاوروبية في شرم الشيخ، وعشيّة انعقاد مجلس الوزراء، وغداة حديث بري الجازم عن ضرورة العمل الحكومي السريع والمكثف وإصرار المجلس على مواكبة هذا العمل خطوة خطوة. وقد مَهّد رئيس مجلس النواب الى ذلك بالتحضير لانتخاب اعضاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
في هذا الوقت، أكدت كتلة «المستقبل» في اجتماعها الأسبوعي انّ التعاون بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء «مسألة لا يصح ان تكون محل شكٍ أو جدل»، وحذرت «من الرهان على العودة الى تجارب الاختلاف بين الرئاستين وتداعياتها على إدارة شؤون الدولة».
وشددت على ان «لا مصلحة وطنية في استحضار أي شكل من أشكال المعارك المركّبة حول الصلاحيات الدستورية»، مُشددة «على وضوح النصوص الدستورية في هذا الشأن، والتي لن تبدّل من وضوحها وصحتها أي وجهات نظر سياسية أو ممارسات خاطئة».
القرار البريطاني
وفي جديد القرار البريطاني ضد «حزب الله»، برزت أمس دعوة حزب العمال البريطاني المعارض لوزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد الى تقديم الأدلة التي تبرّر قراره توسيع حظر «حزب الله» ليشمل جناحه السياسي.
وقال المتحدث باسم حزب العمال: «على وزير الداخلية أن يُظهر بالتالي أنّ هذا القرار اتُخِذ بنحو موضوعي وحيادي، وبناء على أدلة واضحة وجديدة، وليس بسبب طموحه في الوصول للقيادة».
«حزب الله»
وفي لبنان، وبعدما اعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري انّ القرار البريطاني يخص بريطانيا وليس لبنان، لوحظ انّ «حزب الله» لم يصدر أي بيان رسمي يرد فيه على القرار البريطاني. إلّا انّ مصادر «الحزب» قَلّلت من اهمية هذه الخطوة واعتبرتها غير ذات جدوى.
وقالت لـ«الجمهورية»: «إن ما أقدمت عليه الحكومة البريطانية لن يكون له اي تأثير على الحزب لا من قريب او من بعيد، علماً انّ هذه الخطوة تبدو متماهية مع الموقف الاميركي الذي، وكما هو معروف، لم يؤثر لا في واقع الحزب ولا في موقفه».
كذلك استبعدت المصادر ان يكون لهذا الموقف البريطاني اي تأثير ايضاً على الواقع السياسي في لبنان ولا على عمل الحكومة اللبنانية، ورحّبت في هذا السياق بالموقفين الصادرين عن الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل.
«لبنان القوي»
وفي هذا السياق اعتبر تكتل «لبنان القوي» أنّ قرار بريطانيا تصنيف «حزب الله» على لائحة الإرهاب «لا يعني لبنان بل يعني بريطانيا، ولن يؤثر على العلاقة اللبنانية - البريطانية»، مشيراً إلى «أنّ «حزب الله» هو أحد المكونات الأساسية في الحكومة والمجلس النيابي».
سلامة
من جهته، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في حديث متلفز، انّ القرار البريطاني «لا علاقة له بالقطاع المصرفي ولن يؤثر على الاوضاع المصرفية».
عودة النازحين
في هذا الوقت، تتصدّر قضية النازحين المواقف السياسية، وقد حضرت بنداً رئيساً في محادثات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع موغيريني، حيث ابلغ اليها انّ لبنان سيواصل العمل لإعادة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا ولن ينتظر الحل السياسي للأزمة السورية الذي قد يطول، مكرّراً التشديد على العودة الآمنة لهم، ومبدياً حرص لبنان على عدم تعريضهم لأي مخاطر، علماً انّ المعلومات التي ترد الى بيروت تشير الى انّ العائدين يلقون رعاية السلطات السورية التي وَفّرت لهم منازل جاهزة وبنى تحتية ومدارس، وهذا ما يمكن الاتحاد الاوروبي وغيره من المنظمات الدولية التأكّد منه.
ولفت عون موغيريني الى وجود مقاربتين متناقضتين لمسألة النزوح السوري، فالاتحاد الاوروبي يتخذ قرارات سياسية، في حين انّ قرارات لبنان أسبابها اقتصادية - اجتماعية.
ولاحظت مصادر سياسية مطلعة انّ اللقاء بين عون وموغيريني اظهر وجود خلاف جذري في النظرة الى ملف النازحين السوريين وسبل تأمين عودتهم الى بلادهم.
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» انه في الوقت الذي أكدت موغيريني «صعوبة نجاح برامج العودة الى سوريا في الوقت الراهن قبل بلوغ الحل السياسي وتوفير عناصر الأمن والأمان والاستقرار الضامن لعودة مستدامة»، أكد رئيس الجمهورية في المقابل «أنّ لبنان لا يمكنه انتظار الحل السياسي في سوريا وسيسعى لإعادتهم الى المناطق الآمنة، وهي باتت واسعة جداً من المساحات السورية التي انتهت فيها كل أشكال الحروب الداخلية، وأنّ على المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي المساعدة في هذا الاتجاه ضماناً للاستقرار في لبنان، وتخفيفاً من مخاطر كثافتهم على النسيج اللبناني الدقيق وأنّ ما يتوافر لهم من مساعدات على الأراضي اللبنانية يمكن الانتقال بها الى الداخل السوري. وفي هذا الإطار، لمّحت موغيريني الى «أهمية مؤتمر «بروكسل 3» الذي سيعقد في 13 نيسان المقبل، لأنه سيكون مكاناً مناسباً لقراءة الموقف الدولي من موضوع النازحين».
ولفتت المصادر الى انه «عدا عن هذه النظرة المتناقضة بين الطرفين، فإنّ المحادثات بينهما أظهرت انّ اوروبا لا تزال داعمة للإستقرار في لبنان بقوة على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والإنمائية».
بري
بدوره، شدّد بري خلال لقائه موغيريني على «ضرورة تفهّم الاتحاد الاوروبي الموقف اللبناني في حاجته مع الإخوة السوريين لإعادتهم». كذلك طالب الاتحاد «بلعب دور فعّال لتحديد الحدود البحرية»، معتبراً «أنّ استكشاف ثروات لبنان واستثمارها هو الأمل الأكثر جدوى للنهوض اقتصادياً وسداد الدين».
«المستقبل»
من جهتها، اعتبرت كتلة «المستقبل» أنّ مسؤولية إعادة النازحين «تقع في الدرجة الاولى على النظام السوري، الذي لم يتخذ حتى الآن أي إجراء عملي يفتح الابواب أمام عودة ملايين النازحين المقيمين في لبنان والأردن وتركيا ومصر وسواها»، ودعت الى «إخراج هذه المسألة من المزايدات»، وطالبت «بمقاربة تتكامل مع الدور الروسي القائم في هذا الشأن»، ورفضت رَمي الكرة في ملعب رئاسة الحكومة التي لم تتأخر يوماً عن العمل في كافة المحافل العربية والدولية لتأمين عودة آمنة وكريمة للسوريين».
روسيا
وملف عودة النازحين حَضر بين وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب والسفير الروسي الكسندر زاسبكين الذي قال: «وجدنا أنّ هناك نقاطاً مشتركة يمكن البناء عليها، واتفقنا على مواصلة العمل المشترك، واعتقد انّ الظروف ستتطور نحو الافضل في المجالات كافة». مشيراً إلى «أنّ المطلوب هو ان تكون هناك وجهة نظر موحّدة لدى الاطراف المعنية».
وكرّر تأكيده أنه لا يجب الربط بين التسوية السياسية وعودة النازحين، ويجب تأمين أوسع مشاركة من أعضاء المجتمع الدولي، متعهداً «مواصلة الاتصالات مع جميع الاطراف المعنية».