بعد أن ثبت بالدليل القاطع فساد السلطة السياسية في لبنان، بكل مكوناتها حيث لم يستطع أحد حتى الآن من المشاركين فيها إثباتَ براءته، ولو من حيث السكوت عن فساد رآه بأم العين، دخل لبنان في سجالٍ بين الفاسدين من جهة، إذ يرمي كل طرفٍ باللوم على الآخر، بفتح فقط ملفات حقبته، ومن جهة أخرى الجمهور الذي يستمع إلى ذلك السجال حيث إنقسم الجمهور اللبناني بين مصدّق وبين مكذّب لما يسمعه من وعودٍ قد جرّبها مرارًا وتكرارًا.
سجالٌ لا أفق له، ولا يظهر منه بصيصُ نورٍ لأن المشكلة ليست فقط هي عملية سرقة ومدّ اليد على المال العام، لأنه مباح وبلا رقيب، وبالتالي يمكن إرجاع المال المسلوب بحال وُجِد الرقيب بقدر ما هي مشكلة ثقافة فساد، وهنا تكمن الخطورة الأشد فتكا بمفهوم الدولة والسلطة، لأن الذي حصل هو فساد تلقائي بعد أن حولته الثقافة الفاسدة إلى ملكات يصدر عنها الفساد بشكل تلقائي وهذا يدل على بنية عقلية فاسدة عند السياسيين وهذه البنية قد دخل فيها المواطن، وأصبح الفساد متجذرًا في البنية العقلية عند الفرد اللبناني، وبالتالي نرى الفساد درجات حسب موقع الفرد الوظيفي.
إقرأ أيضًا: لبنان يتجه نحو مصير مجهول بإرادة حاكميه
لذلك، عندما ننظر إلى ظاهرة الفساد في لبنان ينبغي أن نلتفت إلى أنها ظاهرة ثقافية، والدليل أن بعض الفاسدين يصفون فسادهم بأنه ذكاء و "شطارة"، كذلك الاتباع أي أتباع الفاسدين يمجدون فساد زعيمهم بوصفه ذكاء وحِنكة.
ومن نافل القول: أن هذه الثقافة جعلت الناس ترى فسادها إصلاحًا وفساد الآخر جريمة، وقد ترى إصلاح الاخر أيضًا فسادًا هذه الثقافة هي سبب إنقسام الناس أو الجمهور إلى مصدّق ومكذّب، بمعنى أنه يصدق جماعته ويكذب الاخرين , ويقبل التهمة على الاخرين ولا يقبلها على جماعته.
من أي الابواب ندخل وكل الأبواب مرصودة، مرصودة بشياطين مصرين على ذر الرماد في العيون، رماد الملفات الانتقائية، حيث يحاول كلّ فريق إنتقاء ملفات تدين الاخرين، مصحوبة بأويلات أيضًا حسب الأهواء، وهذا أكبر دليل على أن مشروع محاربة الفساد هو مشروع تخديري يراد منه إسكات الناس وإلهاء الناس عن معاناتهم اليومية وزرع الأمل الوهمي في أذهانهم ريثما يخلق الله حلّا، أو يجعل الله مخرجا مما نحن فيه هذه هي الصفة الاساسية للخطاب السياسي اللبناني الأجوف إلا من منظومة أيديولوجية تساعده على تخدير الناس.