بدأ الرئيس عمر البشير الرد على مظاهرات التنحي بالقول إن وراءها أميركا والصهيونية. ثم ازدادت، فقال إنهم المندسّون، منتبهاً إلى أنها تهمة كبرى لشعبه... ثم أطلق الوعود، ثم فجأة أحال السودان إلى حالة الطوارئ والأحكام العرفية لمدة عام، حماية للشرعية التي تجدد لنفسها منذ ثلاثة عقود.
من ضمن أوجه الشرعية وحكم القانون، تعيين العسكريين في مقاعد المحافظين، وحظر المظاهرات، التي رفضت تبلغ الأمر. والوعد، مرة أخرى بانتخابات. لا أريد الجمع بين الوضع في الجزائر والوضع في السودان، لكن رغم اختلاف الظروف والضرورات، فإنني قد تمنيت على الرئيس بوتفليقة أن يساهم في اختيار خلف له... طبعاً تقديراً للجزائر ولنفسه ولمفاهيم النظام الاقتراعي.
فالانتخابات التي يدعو إليها بوتفليقة والمشير، أسقطت ونستون تشرشل، بطل الحرب وأهم شخصية بريطانية بعد الملكة فيكتوريا. وأسقطت بعده المرأة التي أنقذت اقتصاد بريطانيا بعد عشر سنوات من الحكم. وبعد المدة نفسها أسقطت فرنسا أهم شخصية في تاريخها الحديث، وبطل تحررها من الألمان، شارل ديغول، الذي رفع اقتصادها أيضاً من الحضيض إلى الازدهار.
نحن، في العالم الثالث، أسأنا، فيما أسأنا، إلى مفهوم الخيار البشري، وجعلناه حكماً أبدياً ينتهي بوضع البلاد في ظل الطوارئ والرعب إضافة إلى كل ما سبق. انتظر السودانيون المصالحة، فأُعطوا الطوارئ. وانتظر الجزائريون أن يعلن زعيمهم تبني خلف له، فخرج أحد وزرائه يقرأ عليهم بياناً لا يستطيع هو تلاوته.
بدلاً من أن ينتظر الجزائريون موعد الاقتراع، نزلوا إلى الشوارع، وسوف يكون بالتأكيد بينهم مندسون ومتربصون ومحترفو الوصول. وكذلك في السودان. لكن وجود هؤلاء لا يلغي منطق الأشياء وحقائق ووقائع الشعوب والأمم. والحفاظ على الوحدة الوطنية لا يكون بإعلان الأحكام العرفية كأنما البلاد في حرب مع عدو خارجي.
ليس للحاكم أن يقرأ في دفاتره، بل في كتاب التاريخ وطبيعة الأشياء وخصائص البشر. ربما مع وفاة الجنرال فرنكو وهو في غيبوبة، انتهى عصر الحكم الأبدي؛ حيث المبدأ هو الاقتراع. أي معنى للاقتراع في ظل الطوارئ والأحكام العرفية؟ هذا ضد الأصول والأعراف.
سمير عطا الله