انّ مهمة الاستشاري هي تسليط الضوء على أخطاء انت تعلم بها ثم تركك لتحلّ هذه الاخطاء دون النظر الى عواقبها وما يمكن أن تجرَّه على الاقتصاد والقطاع العام والخاص. وهذه الحال ليست وضعية ماكينزي وحدها، انما غالبية الشركات الاستشارية التي تعمل على المنهج نفسه، لاسيما صندوق النقد الدولي، والذي باتت استشاراته هي نفسها ولجميع الدول على السواء.
لا شكّ أنّ صندوق النقد الدولي أخفق في مراحل عدة وآخرها في اليونان، حيث انّ سياسته التقشفية لم تنفع في بلد يترنّح تحت وطأة الديون، وقد يكون الامر مماثلاً لماكينزي في لبنان. وقد تكون استشارة ماكينزي سلّطت الضوء فقط على مشكلاتنا دون أن تجد لها الحلول أو أنّ حلولها لا يمكن تطبيقها في وضعية لبنان، لاسيما الخصخصة وغيرها.
في كثير من الاحيان تكون دراسات الاستشاريين تقديرية مستنسَخة عن غيرها من الدراسات وفي الدول التي سبق للاستشاري أن عمل فيها.
لذلك تأتي الدراسات، وفي كثير من الاحيان، مستنسَخة عن بعضها البعض ولا يمكن في أيّ حال ايجاد الحلول لمشكلات الدول التي تحتاجها. فدول عدة تتبع نصائح صندوق النقد الدولي، ومع ذلك استطاعت الخروج من مشكلاتها لاسيما وأنّ العملية تفتقد لتشخيص دقيق وتتطلب أكثر من مراقبة.
إنما دراسة مطوّلة عن الاسباب والحلول والتشخيص الفعّال الضروري في حلّ أيّ مشكلة أو مشكلات تواجه الدول والشركات، وتستدعي ايجاد حلول قد تكون مبتكرة وبعيدة من التقليد وموضوعية بشكل يمكن للدولة او الشركة استخدامها.
يتطلب التشخيص الصحيح أكثر من مجرد دراسة للبيئة الخارجية والتكنولوجيا والاقتصاد، ويستلزم الإلمام بمخاطر عدم الامتثال وعوامل معينة تبدو مهمة.
انّ تنبّه الاستشاري لعملية التشخيص ضرورية ومنطقية للمساعدة في إظهار توصيات استراتيجية وتنظيمية.
لذلك قد يكون التشخيص الاستشاري ضرورة من اجل ايجاد الحلول والتوصيات واتخاذ الإجراءات. واذا كانت ماكينزي جاءت فقط للإضاءة على مشاكل لبنان، فنحن نعلمها علم اليقين، ولكن ما ينقصنا هو التقيّد وكيف ننجز ذلك.
واذا لم تشر ماكينزي الى هذه الامور فلا بدّ من القول انّ عملها يبدو ناقصاً غير مكتمل. اذ انّ الاستشاري عليه ايجاد ليس فقط الحلول انما الإضاءة على سبل المعالجة والتوصية باتخاذ اجراءات. لذلك قد تكون اية عملية استشارية غير قابلة للحياة ما لم تتم فيها بعض الخطوات الضرورية لأغراض الاستشارة من أهمها:
• توفير معلومات للعميل.
• حل مشكلات العميل.
• إجراء تشخيص قد يستدعي اعادة تعريف المشكلة.
• توصيات على اساس التشخيص.
• المساعدة في تنفيذ الحلول الموصى بها.
• التوصل الى توافق في الآراء والالتزام باجراءات تصحيحية وتعليم العملاء كيفية حل المشاكل المماثلة.
• تحسين الفعالية التنظيمية.
كل هذه الامور اذا لم تتوافر، تبقى العملية الاستشارية حبراً على ورق وتفتقر للمصداقية وتخرج عن نطاقها الصحيح والهدف منها، لاسيما اعادة الامور وتصويبها ومعالجة الاحتياجات. لذلك ليس من الغريب القول، انّه في كثير من الاحيان تبقى الاستشارات والدراسات حبراً على ورق وتوضع في الأدراج لعدم وجود هذه الديناميكية في العملية الاستشارية.
وقد يكون نصيب ماكينزي والدراسة التي قامت بها عن لبنان الفشل، اذا لم تتوفّر آلية لمتابعتها بشكل دقيق وتحاول من خلال المعلومات التي توصلت اليها ماكينزي، التحرّك في اتجاه تصحيح المسار الاقتصادي والمالي.
وهنا يبرز التباين بين المعرفة والفعل، لاسيما انّ المعرفة غير كافية ان لم تقترن بأفعال. لذلك قد تكون الدراسات الاستشارية غير كافية ما لم تقترن بعملية تنفيذ، وان فشلت الشركات بهذه العملية تكون الاستشارات ذهبت بلا فائدة.
ولا بدّ من القول، انّ ماكينزي ساعدت في اكثر من الاحيان الدول على خلق فرص عمل وتحسين التقييم والتخفيف من وطأه الفقر، وجاءت بنتائج هامة للغاية، لكن الشركة ايضاً بحاجة الى تطوير اكثر صرامة، لاسيما من ناحية ارتباطاتها بالحكومات ومعالجتها لمسائل أساسية، ونراها قد فشلت في بعض الاحيان، من جهة إخفاقها في ابقاء عملياتها استشارية فقط، وساعدت دولاً واشخاصاً وواجهت تحدّيات خصوصاً من الصين، وهذا ما يرسل اشارة قوية الى العالم ومدى تعاطي ماكينزي مع امور مُحرجه ان كان في السعودية او مع الزعيم الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش، بشكل يؤثر على مصداقيتها ونوعية عملها.
لذلك، قد يكون من المهم الالتزام وعدم ابقاء الدراسة في مهب الريح، بحيث نكون قد دفعنا فقط لزيادة الدراسات دون تطبيقها. والسؤال الذي يبقى غير واضح، من سينفذ خطة ماكينزي، وهل هي من مسؤولية وزارة الاقتصاد بالتحديد ام انّ مجلس الوزراء بالكامل سوف يعتبرها خطة عمل ويوافق عليها؟
هذه الامور بات من الملح توضيحها خصوصاً اننا بتنا في جو عمل يستوجب وضع كل الامكانات لحل المشاكل. كما أنّ العملية الاقتصادية والمالية باتت ملحة ولا يكفي التنظير، انما يجب اخذ الامور على محمل الجد.
وكثير من الدول الصناعية بالتحديد اخذت في عين الاعتبار دراسات قامت بها ماكينزي وغيرها من الشركات الاستشارية ونجحت. لذلك تبقى العبرة في التنفيذ ووضع الامور في مسارها الصحيح وايجاد فريق عمل او وزارة تلتزم تطبيق هذه الدراسة، والا نكون قد وضعنا هذه الاستشارة كسابقاتها من الدراسات، ولم نأتِ بنتائج تساعد في الخروج من النفق الطويل.