الجمهور الضائع بين شعارات المقاومة ولغة الحرب والخطاب الحزبي الجديد!!
عُرفت مسيرة حزب الله منذ عقود بالثبات والإنتظام خصوصا تلك العلاقة بين القيادة والجمهور، واعتُبر حزب الله في لبنان من أكثر الأحزاب قدرة على السيطرة على شارعه أو جمهوره، والاكثر قدرة على الحشد عند أي مناسبة من مناسبات الحزب السنوية.
وقد شهدت الساحة اللبنانية في السابق سجالات ومواقف على خلفيات طائفية أو حزبية أدت إلى تظاهرات عفوية مستنكرة في بعض المناطق، واستطاعت قيادة الحزب حينها ضبط الشارع في أوقات عديدة، وبالتالي السيطرة الكاملة على الجمهور والقواعد من خلال شعارات عدة من مثل "التكليف الشرعي" أو "الفتوى" أو باستخدام صلاحية "الولاية" .
وبقي الجمهور ضمن هذه الضابطة ملتزما بكل ما يطلب منه تنظيميا حتى موعد الاستحقاق الإنتخابي الأخير حيث بدأت تظهر هنا وهناك بوادر التشتت على خلفية التعارض بين خيارات الحزب الإنتخابية وخيارات القواعد الشعبية فبدأت المعارضة في البقاع تحديدا، وسجل مناصرون كثر اعتراضهم على تلك الخيارات لكنها ضبطت أيضا بعد الظهور المتكرر للأمين العام لحزب الله في خطاباته الإنتخابية، وبعد التعبئة غير المسبوقة حينذاك تحت مقولة "التكليف الشرعي".
اليوم تظهر الوقائع فراغا كبيرا بين قواعد الحزب الشعبية وبين القيادة، وأسبابها هذه المرة تعود للخطاب السياسي الجديد الذي يريده الحزب، والذي بدأ السجال حوله يتنامى بعد مواقف النائب نواف الموسوي في جلسات الثقة النيابية تجاه بعض الرموز السياسية المسيحية أو تجاه قضية وصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، هذه المواقف التي أعجبت الجمهور إلى حد كبير فهللوا وطبلوا وزمروا، باعتبار أن أدبيات المقاومة ما زالت تسمح وفي ثقافة هذا الجمهور طبعا، بالمزيد من عرض العضلات في المكان الخطأ وفي اللحظة الخطأ، وبالمزيد من استخدام فائض القوة كيفما كان.
إقرأ أيضًا: " هل بدأ الإبتزاز من خلال الصورة ؟ "
حزب الله كقيادة أدرك خطورة المواقف الصادرة عن الموسوي لا سيما وأن كلمات النواب كانت مقررة مسبقا وحددة بالدقة، ادرك حزب الله خطورة هذه المواقف بعدما كانت ارتداداتها كبيرة، فكان لا بد من الإعتذار الذي تلاه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في جلسات الثقة نفسها، وهنا ظهر التململ كبيرا بين القواعد والمؤيدين، وجزء كبيرا منهم أيضا هللوا وطبلوا وزمروا، الأمر الذي أظهر وإلى حد كبير وخطير سوء التواصل بين القيادة والجماهير التي من الواضح أنها لا تعرف كيف أيدت وشجعت مواقف النائب الموسوي وهللت لها، كما لا تعرف كيف أيدت وشجعت مواقف النائب رعد باعتذاره وهللت لها الأمر الذي وضع أكثر من علامة استفهام على وعي الجمهور المسمى جمهور المقاومة!!
وقد ظهر الإنفصام أكثر مع قرار قيادة حزب الله بتجميد عمل النائب نواف الموسوي، القرار الذي شكل صدمة كبيرة في صفوف القواعد الشعبية، وبين مؤيد ومعارض ظهرت إلى العلن التباينات بين القيادة والجمهور، كما في داخل الجمهور نفسه، بل وظهر أيضا الفراغ الشاسع والكبير بين القيادة وجمهورها، في سابقة ربما تظهر للمرة الأولى في خزب الله.
من الملاحظ أن التوجه السياسي الداخلي لحزب الله بدأ يلامس الوقائع أكثر، ربما أدركت قيادة الحزب أن الخطاب التعبوي السياسي المرتبط بالمقاومة وإنجازاتها وبالحرب والتاريخ لم يعد ذا أهمية أو تأثير، وأن الخيارات المطلوبة اليوم هي بالحوار والتلاقي والهدوء، وبالعمل الجدي بعيدا عن العنتريات وكل شعارات المقاومة، لأن المرحلة التي وصل إليها الحزب داخليا وفي بيئته تحديدا باتت تنذر بالخطر، ولا بد من خطاب جديد يتّسم بالواقعية والإعتدال ويلامس المشكلات السياسية والاجتماعية والمعيشية عن قرب، فكان التوجه الذي ظهر واضحا في الخطاب الجديد، خطاب أكثر واقعية وأكثر انضباطا وأكثر مسافة عن أدبيات خطابات الحرب وشعارات المقاومة.
وهنا على الجمهور أن يدرك أن للمقاومة وقتها وزمانها، وأن شعارات المقاومة وثقافة الحرب والعداء لم تعد تجدي، بل لم تعد مطلوبة، وأن الاولويات اليوم هي في مكان آخر .
إن ضبط الجماهير والقواعد الشعبية اليوم حاجة فعلية وأكيدة لحزب الله للخروج من الماضي وللخروج من الشعارات، إلى المرحلة الجديدة التي يكرسها حزب الله اليوم، لا سيما على الصعيد الداخلي اللبناني، ولا بد في هذا السياق من إعادة توجيه الجمهور بما يتلائم مع المستجدات لا سيما وأن حزب الله مقبل على تواصل جدي وحقيقي مع أحزاب لبنانية بارزة كان التواصل معها إلى الأمس القريب من المحظورات بل من المحرمات، فهل سيعمم حزب الله على جماهيره ثقافة الحوار والتلاقي وتقبل الآخر بل والإنتماء الحقيقي لهذا الوطن.