ليس هناك ما يربط العرب بإيران سوى العلاقات الدبلوماسية. لا تاريخ مشتركا ولا لغة ولا أواصر قرابة ولا مصالح متداخلة ولا طموحات مستقبلية. إيران دولة مسلمة مثلما هو حال إندونيسيا وأفغانستان. مثل تركيا، إيران جارة للعرب.
حقيقتان، واحدة تجريدية تتعلق بالعقيدة، والثانية واقعية هي جزء من فرض جغرافي. غير أنهما لا تشكلان تأشيرة دخول إلى مناطق قد تكون أشبه بالمناطق الحرام التي تفصل بين الجيوش المتحاربة.
يمكن أن يكون لإيران إسلامها الخاص من غير أن يحق لها أن تقول رأيها بإسلامنا أو تفرض إسلامها على إسلامنا. وستمضي الأمور بسلام ومن غير تعقيد. لكم دينكم ولي دين. سيكون ذلك الاختلاف شأنا له علاقة لقلة من المعنيين بشؤون العقائد.
من المؤكد أن إيران باقية في مكانها من غير أن تملك الحق في التمدد على حسابنا وهو الحق الذي لا نملكه في المقابل. وبذلك تكون دولة حديثة بالمعنى الذي تنص عليه القوانين المتفق عليها. دولة لها حيزها الذي تتحرك فيه براحة ودعة لا يقلقها شيء.
إيران المسلمة والجارة يمكنها أن تعيش بسلام بشرط أن تؤمن بحقنا في العيش بسلام أيضا. أما أن نجدها حاضرة في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا، فذلك ما لا يمكن تخيل وجوده في العلاقات بين الدول.
من حقنا أن نقول لها “اذهبي بإسلامك إلى حيث تشائين بعيدا عنا” لأنه ما من قوة في العصر الحديث يمكنها أن تملي على الآخرين اتّباع عقيدتها، وبالأخص إذا كانت تلك العقيدة محرّفة لما يؤمن به أولئك الآخرون. فمن غير المقبول أن يكون الإسلام الإيراني هو الإسلام الصحيح فيما يفترض أتباع الولي الفقيه أن الإسلام العربي ينبغي إزاحته.
وإذا ما كانت إيران قد شاءت أن تكون دولة عقائدية فذلك شأنها الخاص. أما أن تفرض تلك المشيئة على الآخرين باعتبارها قدرا، فذلك معناه أنها قد اختارت أن تدخل في منطقة محرمة، لا بد أن تكون عواقب الدخول إليها وخيمة وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع. واقعيا فإن إيران تحارب الجميع، من غير استثناء باسم عقيدتها التي هي في الحقيقة بضاعتها الوحيدة التي تعتقد أنها صالحة للتصدير.
كان شعار تصدير الثورة الذي تبنته إيران يزاوج بين العنف والعقيدة. ذلك لأن الخميني وهو مخترع ذلك الشعار كان يدرك أن فكرته عن نشر التشيع الإيراني لا يمكن فرضها على العرب الشيعة بشكل خاص، والعرب المسلمين بشكل عام إلا عن طريق العنف. وهو ما جعله يطلق مقولته الشهيرة “من غير المسيرات الجنائزية لا يمكن للثورة الإسلامية في إيران أن تستمر”. لذلك يمكن القول إن الطريق التي اختارت إيران أن تمشي فيها لا يمكن أن تؤدي إلى أهداف إنسانية تقوم على العدالة وحسن الجوار واحترام خيارات الدول العربية.
الطريق إلى كربلاء التي جعلها الخميني نصب عينيه هي طريق الدم الذي صبغ بلونه إحدى نافورات العاصمة الإيرانية، ليكون ذلك المشهد الرمزي تذكيرا بالمنهج الدموي الذي يتم من خلاله التفكير في المستقبل. في ظل تلك الحسابات فإن مستقبل إيران لن يلتقي في أيّ نقطة من نقاطه مع المستقبل الذي ترنو إليه المجتمعات العربية في سعيها لكي يكون لها مكان تحت شمس العصر.
من حق العرب أن يطلبوا من المجتمع الدولي أن يعينهم على دفع الظلام الإيراني بعيدا عنهم. من حقهم أن يبحثوا مع أصدقائهم عن الوسائل التي تلقم الوحش الإيراني حجرا يمنعه من الاسترسال في هذياناته المجنونة.
الطريق إلى كربلاء التي جعلها الخميني نصب عينيه هي طريق الدم