لم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إخفاء توتره وقلقه من خطر الهزيمة في الانتخابات المقبلة، خصوصاً بعد نشر خمسة استطلاعات رأي في تل أبيب أجمعت على أنه سيخسر أمام حزب الجنرالات بقيادة بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي. لكن نتنياهو ردّ بهجوم شديد اللهجة على غانتس وتحالفه الجديد، وبنى موقفه ضده على أسس عنصرية، وقال: إن «غانتس يقود تحالفاً يسارياً يستند على أصوات النواب العرب لإسقاط حكم اليمين وتدمير الدولة العبرية».
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية: إن تحالف حزب الجنرالات: «مناعة لإسرائيل»، برئاسة غانتس، وشريكه «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد، الذي أطلق عليه «أزرق أبيض» (كحول لفان)، ينوي إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض وجودنا للخطر. وأضاف: «في هذه المرة الخيار واضح، إما حكومة يسارية ضعيفة بقيادة لبيد وغانتس، مع كتلة مانعة من الأحزاب العربية، أو حكومة يمينية قوية برئاستي».
ووصف نتنياهو الشخصيات العسكرية في التحالف بـ«الجنرالات اليساريين الذين يتظاهرون بأنهم يمينيون»، وذلك في إشارة إلى غانتس ووزير الأمن الأسبق، موشي يعالون، بالإضافة إلى رئيس أركان الجيش الأسبق غابي أشكنازي، واتهمهم بالسعي «إلى تنفيذ سياسات يسارية يمكن أن تجلب الكوارث الأمنية». وأضاف: «شاهدنا هذا الفيلم مرتين، الأولى في عام 1992 حينما حصلنا على رابين وكارثة أوسلو، وفي عام 1999 حينما حصلنا على حكم إيهود باراك وانتفاضة الحافلات المتفجرة وأكثر من 1000 قتيل».
وحاول نتنياهو الرد على الاتهامات التي وجهها إليه غانتس وحلفاؤه من أنه يدير حكومة بحكم رجل واحد فاسد، وذي حسابات شخصية تتغلب على مصالح المواطنين، فقال: «لم تكن إسرائيل على الإطلاق أفضل حالاً من فترة العقد الأخير الذي أحكم فيه، وهذه نتيجة مباشرة لسياساتنا وأعمالنا. فقد عززنا العلاقات مع الكثير من الدول العربية، وتحولت إسرائيل إلى دولة عظمى في مجال السايبر وخلقنا فرص العمل، وكل هذه الإنجازات تحققت رغم المعارضة اليسارية الهائلة، التي عملت على تخريب كل خطوة خطوناها».
وكانت لجنة الانتخابات المركزية قد أعلنت أن عدد الأحزاب التي سجلت للتنافس في الانتخابات المقبلة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، بلغ رقماً قياسياً غير مسبوق، 47 حزباً، مقابل 28 حزباً في الانتخابات السابقة سنة 2015. ويتنافس هؤلاء على 120 مقعداً. وحسب القانون، يحتاج كل حزب إلى 3.25 في المائة من الأصوات الصحيحة حتى يدخل توزيع الحصص، وهو ما يقدّر بـ145 ألف صوت، فالحزب الذي لا يحرز هذه الأصوات يسقط. ووفقاً للاستطلاعات، يتوقع سقوط 37 حزباً.
وقد أجريت خمسة استطلاعات رأي، الليلة قبل الماضية، بعد إغلاق عملية تسجيل الأحزاب، لصالح ثلاث قنوات تلفزيونية (القناة الأولى الرسمية والقناة 12 والقناة 13) وصحيفتي «يديعوت أحرونوت» و«معريب»، فأجمعت على أن تحالف الجنرالات سيحصل على 35 إلى 36 مقعداً، مقابل 25 إلى 30 مقعداً لليكود برئاسة نتنياهو. وعند استعراض نتائج الأحزاب الأخرى، تبين أن معسكر اليمين كله، الليكود والاتجاه الراديكالي المتطرف والأحزاب الدينية، ستحصل على أكثرية مقعد أو مقعدين، عن مجموع أحزاب الوسط واليسار والأحزاب العربية. وفي استطلاعين اثنين بدا أنهما متساويان؛ مما يفتح الآفاق لتغيير كبير في الساحة السياسية. فإما يستمر الصعود لهذا التحالف فيصبح ذا أكثرية، وإما يفوز بأكثرية بالتحالف مع الأحزاب العربية أو قسم منها، وإما يدخل نتنياهو مع غانتس في تحالف جديد، تحت شعار «الوحدة الوطنية».
لكن، إلى حين تحسم نتائج الانتخابات، يبدو أنها ستكون هذه السنة من أشرس المعارك الانتخابية في تاريخ إسرائيل؛ ذلك أن نتنياهو لا يحارب فقط من أجل كرسي رئاسة الحكومة، بل من أجل عدم دخول السجن في قضايا الفساد. فهو يعتقد بأن معركته القضائية من خارج الحكم ستؤدي إلى سجنه؛ لأن الشرطة والنيابة والقضاء ستكون طليقة حرة في محاكمته. بينما إذا أدار المعركة القضائية وهو رئيس حكومة، فيحسب الجميع حسابه ويكونون معه أكثر حذراً ورحمة. ولهذا؛ فإنه لا يوفر أي وسيلة لمهاجمة منافسيه، حتى لو كان بينهم ثلاثة رؤساء سابقين لأركان الجيش وشخصيات ثقافية ونقابية وإعلامية معروفة، بعضهم كانوا حتى الماضي القريب ضمن حاشيته في ديوان رئيس الوزراء، مثل سكرتير الحكومة السابق، والمستشار الإعلامي الأسبق، ومديرة مصلحة السجون السابقة، وغيرهم.
لكن المراقبين يشعرون بأن إمكانات التغيير في الحكم باتت كبيرة، على الرغم من أن نتنياهو ما زال قوياً جداً، وما زال يتمتع بامتيازات كبيرة عن منافسه. فهو يحول نقطة ضعفه الكبرى (ملفات الفساد) إلى نقطة قوة كبرى (إذ يلعب دور الضحية، الذي تلاحقه الصحافة والشرطة، أكثر جهتين مكروهتين في الشارع البسيط). وهو يتفوق على خصمه بالخطابة وبالإنجازات السياسية العالمية، وبالوضع الاقتصادي، وبالوضع الأمني. وموضوع الجمود في عملية السلام، الذي يحاول غانتس التركيز عليه، لا يشغل بال الإسرائيليين. فهم لا يأملون شيئاً من هذه العملية ولا يؤمنون بأن هناك شريكاً فلسطينياً في عملية السلام.
لكن من الجهة الأخرى، يعتبر غانتس أيضاً قوياً؛ لأنه يمثل مؤسسة عسكرية أمنية ضخمة لها موقف وعندها قلق من سياسة نتنياهو، وتحاول التوضيح للناس بأن حكم نتنياهو بات يشكل خطراً على مصالح إسرائيل. وهو يتحدث عن السلام من باب واسع، فرصة السلام مع العرب أجمعين والدول الإسلامية. ويطرح الأمور بحذر شديد؛ إذ يتحدث عن تسوية تدريجية.