لن يتطلع رئيس المجلس الدستوري وأعضاؤه الى الوراء، بعدما اتخذوا قراراتهم واصدروا ثمانية عشر قراراً في سلسلة الطعون التي رُفعت امامهم، سواء اتُخذت بالإجماع أو بالأكثرية. فقد شكّلت هذه القرارات خلاصة جهد بُذل في اصعب الظروف التي عاشها اعضاء اللجان ومقرروها على مدى الأشهر التسعة الماضية.
وهو ما عبّر عنه رئيس المجلس الدكتور عصام سليمان في مؤتمره الصحافي امس الاول، والذي شكّل في اول جزء منه محاكمة قاسية للإنتخابات عند حديثه عن «الصعوبات التي واجهها المجلس الدستوري عند الفصل في الطعون».
فبالإضافة الى إشارته الى التأخير في تسليم هيئة الإشراف على الإنتخابات تقريرها النهائي في المِهل المنصوص عنها، كان حديثه عن «ضعف في الخبرة وتدريب غير كافٍ للذين أجروا الانتخابات، من رؤساء أقلام وكتبة ورؤساء وأعضاء لجان قيد». فضلاً عن «استخدام نظام الكومبيوتر للمرة الأولى في لبنان في اعلان النتائج».
وهي إشكالات دفعت المجلس الدستوري الى الذهاب بعيداً في الاستقصاءات لتبيان حقيقتها. ولم يكتفِ بتطبيق «المبدأ القائل بأنّ البينة على من إدّعى»، لأنه يدرك انّ «الطاعن ليس في استطاعته الحصول على كل المستندات المتعلقة بالانتخابات، فيما الجهات التي بحوزتها هذه المستندات مُلزمة بتسليمها الى المجلس الدستوري».
وعلى رغم من ذلك، فقد عبّر سليمان عبر «الجمهورية» عن امتعاضه من القراءات السياسية للقرارات التي اصدرها المجلس، ولا سيما منها القرار بإبطال نيابة النائب ديما الجمالي.
واستهجن «الكلام الكبير» عن «الغدر والكيدية». معتبراً «انّ مثل هذه التوصيفات يمكن ان تُقال او يتبادلها المسؤولون بين الجدران المقفلة، وليس في إبداء الرأي في قرارات صادرة عن المجلس الدستوري». وهو ما قاده الى الإعتقاد «اننا بتنا نعيش في بلد اسوأ من جمهورية الموز».
والى هذه المعطيات، فقد هال رئيس المجلس الدستوري وأعضاؤه، الرواية التي نُسجت عن انّ القاضي احمد تقي الدين غيّر رأيه من موضوع قبول الطعن، بعد اتصال هاتفي تلقّاه «فيما الحقيقة في مكان آخر».
وقال مطلعون، «انّ تقي الدين تأثر بما كان مخفياً عليه من معطيات إضافية لم تكن في حوزته، والتي برزت في تقرير ورد من لجان القيد، تناول قلم «بقرصيتا» الذي وصل مفتوحاً على شكل «طرحية بيضاء»، فارغاً من اي مستندات او جدول بلائحة الشطب والناخبين.
وقد ثبُت ذلك بشهادة عضوين من هذه اللجان، القاضية مايا عويدات، التي قالت في تعليقها على وضع المغلف ما حرفيته: «وصل هذا المغلف فارغاً». وإفادة القاضية روى شديد التي قالت ايضاً: «هذا الملف كان فارغاً».
وليظهر لاحقاً وبعد تجميع الأوراق انه تمّ فرز 56 ورقة من اصل 322 ناخباً شاركوا في العملية الإنتخابية. وتمّ ذلك نتيجة جهود إضافية بُذلت للبحث بين الوثائق، بعدما رفضت وزارة الداخلية تسليم المجلس ما يتصل بهذا القلم».
وعندها، يقول المطلعون، ابلغ القاضي تقي الدين الى اعضاء المجلس انه سيصوّت الى جانب الطعن بعدما اعتبر ما حصل «خطأ جسيماً» يمكن البناء عليه في قراره النهائي، وأي رواية أخرى لا تليق به وبموقعه في المجلس».
وقال العارفون، أنّه «على هذه الخلفيات نال القرار بالطعن 7 اصوات من اصل 10 يشكّلون النصاب القانوني للتصديق على القرار، بعدما خالفه ثلاثة من اعضاء المجلس وهم، زغلول عطية وسهيل عبد الصمد ونائب الرئيس طارق زيادة».
وبعيداً عمّا رافق القرارات في شأن الطعون، كشفت مصادر مطلعة انّ باب الترشح لعضوية المجلس الدستوري الجديد سيُفتح في الأيام المقبلة، بغية إعادة تجميع المرشحين الى عضويته العشرية.
ويُفترض ان يتوافر ثلاثة او اربعة أسماء على الأقل عن كل مركز حسب التوزيعة الطائفية للمقاعد والتي تجمع: مارونيان، اورثوذكسيان، كاثوليكي، شيعيان، سنّيان، درزي. وهو امر غير متوافر حتى الآن للمباشرة في الإجراءات التي تؤدي الى تكوين المجلس الجديد من طريق تعيين خمسة اعضاء في مجلس الوزراء وانتخاب خمسة آخرين في مجلس النواب.
وفي التفاصيل، تبيّن انّ ترشح القاضي رياض ابو غيدا ليس كاملاً لأنّ ترشيحه لم يُعتبر قانونياً، كون قبول استقالته من منصبه في القضاء وقبوله في مجلس الشرف جاءا بعد انتهاء مهلة الشهر القانونية لقبول طلبات الترشح لعضوية المجلس.
كذلك تبيّن انه لم يعد هناك مرشح اورثوذكسي ثانٍ لموقعين في المجلس، بتعيين القاضي البر سرحان وزيراً للعدل، واقتصرت الترشيحات على وجود ترشيح واحد هو للقاضي ميشال عيد.
ومن بين الروايات المتبادلة على نطاق ضيّق، انّ الباب سيُفتح مرة أخرى ليترشح احد القضاة الى عضوية المجلس، بعد أن تنتهي ولايته في موقعه الحساس قبل نهاية الشهر الجاري.