لم يكن غريبا للمخضرمين في السياسة اللبنانية ان يسمعوا كلام رئيس الجمهورية ميشال عون وسلوكه في أول جلسة لمجلس الوزراء أول من أمس في قصر بعبدا، عندما قال في معرض حديثه عن موضوع النازحين السوريين، والموقف من العلاقة مع النظام في سوريا، إنه هو حامي الدستور، وهو الذي يعلم ما الذي يخدم المصلحة الوطنية، ولا داعي لأي طرف أن يعلّمه ما يفعل، وأنه هو الذي يعلم صلاحياته ويتقيّد بها، وهو الذي يقرر في هذه المجالات”.

وبطريقة حادة جدا، خرجت عن أدبيات التعامل بين رئيس الجمهورية والوزراء، او حتى بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، منع وزراء من الكلام ولم يعطهم الإذن، ورفع الجلسة من دون التشاور مع رئيس الحكومة في هذا المجال. فالرئيس ميشال عون، الذي عادت اوساطه وتحدثت عن المواد المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية، نسي ان الجمهورية الاولى انتهت مع اقرار اتفاق الطائف، وما عاد رئيس الجمهورية رأس السلطة التنفيذية، ولا المقرر الوحيد في السياسات العامة كما كان في الجمهورية الاولى، ونسي أيضا أن زمن الرئيس السابق اميل لحود الذي حاول ان يتصرف بذهنية ديكتاتورية وعسكرية داخل مجلس الوزراء انتهى. ويبدو ايضا ان البطريرك الماروني المندفع بالامس صوب بعبدا لدعم صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، قد ضلّ الطريق ايضا بمسافة ثلاثة عقود الى الوراء. فالصلاحيات التي تذرع بها رئيس الجمهورية لا تخوله رسم السياسات، ولا تخوله اتخاذ قرارات من دون العودة الى رئيس مجلس الوزراء والحكومة بكامل أعضائها. كما ان الصلاحيات لا تمنح رئيس الجمهورية إجازة مفتوحة بلا قيود في السياسة الخارجية، وبالتأكيد لا تخوله إهانة أعضاء في مجلس الوزراء طلبوا الكلام، فتجاوزهم رافعا الجلسة بطريقة استعراضية غير مأنوسة.

في مطلق الاحوال، كان من الخطأ تأجيل الكلام في السياسة الى نهاية جلسة مجلس الوزراء، للتفرغ لإقرار جدول الاعمال التقني. فمجلس الوزراء هو مجلس سياسي أولا وقبل أي شيء آخر. والحكم من دون سياسة مخالف لأدنى الاصول والمعايير. فلا حكومة من دون الملفات السياسية، وإن تكن الاطراف المكونة لها آثرت في المدة الاخيرة تقديم الملفات الاقتصادية والمعيشية، وتخفيف التطرق الى المواضيع السياسية الخلافية في ظرف يتفق الجميع على اعتباره دقيقا على المستويين الاقتصادي والمالي. وقد كان لتصرف رئيس الجمهورية في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء الجديد، وقع سلبي نأمل ألا يتكرر، وإن يكن رئيس الحكومة آثر تجاوز الموضوع وعدم إثارة مشكلة في هذا المجال، ولا سيما بعدما تجاوز الرئيس عون صلاحياته الحقيقية بحديثه عن صلاحيات وهمية تمنحه، بحسب قوله، الحق في اتخاذ قرارات لا يملكها من خارج مجلس الوزراء، فضلا عن منع وزراء من الكلام بالطريقة التي حصلت.

خلاصة القول اننا في لبنان أحوج ما نكون الى الاستناد الى صلاحيات حقيقية لا وهمية، واحوج ما نكون الى التواضع بعيدا عن البطولات الوهمية. من هنا ضرورة العودة الى اتزان سياسي مطلوب من الجميع في هذه المرحلة.