أعادت مناقشات الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في ضوء المداخلة الرئاسية التي تضمنت ما تضمنت من نقاط اشارت إليها «اللواء» في عددها أمس، وأشارت إلى انها احدثت تسميماً في الأجواء، أعادت البحث في الصلاحيات الدستورية، الأمر الذي يقتضي مصارحة بين الرؤساء الثلاثة حول المقاربة التي نصت عليها مواد الدستور، على نحو واضح، منعاً للعودة إلى «حدّ التجاوز» وتوليد حالات تشنج، يبدو أن المهمات الثقيلة المطروحة على عاتق الحكومة للخروج من مأزق المديوينة والركود الإقتصادي، وإصلاح بنى الإدارة والبنية التحتية، فضلا عن إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم..
على هذا الصعيد، حسمت مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري الموقف بالقول ان نص الدستور واضح لجهة اناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعا وهو الذي يرسم السياسة العامة للدولة في المجالات كافة.
.. بالمقابل اكدت مصادر سياسية مطلعة ان موقف الرئيس عون في مجلس الوزراء كان واضحا ومباشرا وهو لم يتعد فيه على اي صلاحية دستورية إنما كان ملتزما بالمادتين 49 و50 من الدستور وليس المقصود بالموقف ايضا اي التفرد خصوصا ان كلامه يتصل بحقيقة انعكاسات ملف النازحين السوريين على الوضع اللبناني.
واكدت المصادر ان رئيس الجمهورية صارح بأن هذا الملف يستدعي التنسيق مع سوريا التي تشهد امانا في اغلبية المناطق باستثناء البعض.
ولفتت المصادر الى ان البطريرك الماروني اشاد بالموقف الرئاسي وباستشهاده بزعماء من التاريخ وتعاطيهم مع القضايا.
واكدت المصادر ان مجلس الوزراء المقبل أمام اختبار اخر ولذلك لا بد من رصد بعض المواقف والاتصالات للتهدئة وفصل عمل الحكومة عن القضايا السياسية.
بالمقابل تخوفت مصادر وزارية مطلعة من ان تؤدي القراءات المتباينة، والاختلاف في فهم مواد الدستور، وتحميل المادة 49 أكثر مما تحتمل، في حين ان نص المادة 64 واضحة تماماً لجهة حصد صلاحية رسم سياسة الدولة في مجلس الوزراء، مشيراً إلى ان الأمر لا يتعلق بعودة النازحين، بل بالقرار بتطبيع العلاقات مع النظام في سوريا، وهو موضع خلاف.
وتلقى الرئيس عون جرعة دعم قوية من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إذ كشف ان الحديث تطرق إلى ما دار في مجلس الوزراء واصفاً موقفه «بالمشرف».
وردّاً على سؤال، حول «ثنائه على موقف رئيس الجمهورية بخصوص صلاحيات رئاسة الجمهورية، بالامس في مجلس الوزراء، فيما سياسيون ونواب انتقدوا هذا الموقف باعتباره تعديا على صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء»، فقال: «انا اعرف ان الدستور واضح، والمادة 49 منه واضحة، ولطالما كنّا نردد ان رئيس الجمهورية يقسم يمين المحافظة على الدستور وسيادة الوطن ووحدة الشعب وشؤون الدولة اللبنانية. ولم توضع له لا شروط ولا اي قيد مع احد. وهو لم يعتدِ على احد. ونحن نشكر الله ان لدينا رئيسا، لأنه لو لم يكن لدينا رئيس لكان «فلت» البلد».
وكشف البطريرك الراعي انه عرض مع الرئيس عون موضوع الزواج المدني، مؤكداً: هذا الموضوع لم يطرح منذ اليوم، بل منذ ايام المغفور له الرئيس الياس الهراوي، عندما تم طرح النظام الاختياري بخصوصه. وكان لنا يومها موقف ككنيسة، وتقدمنا بوثيقة في هذا الموضوع. نحن لسنا ضد الزواج المدني بالمطلق. ونقول: اعطونا قانونا واحدا في لبنان او في العالم يحمل صفة: الاختياري. ان القوانين وفق ما درسنا جميعنا، من اول صفاته انه الزامي. وعندما يصدر قانون بصفة اختياري، فأنت تكون تعمل على «تشقيف» البلد وخلق مشاكل.
عودة إلى سجال الصلاحيات
وفيما تحول مجلس الوزراء إلى مسرح للصراعات السياسية، في ضوء ما جرى في جلسة أمس الأوّل من سجالات كادت ان تفجر الحكومة من الداخل، بات السؤال ملحاً: كيف سيتجاوز مجلس الوزراء مستقبلاً مثل هذه العواصف السياسية كي يتمكن من الولوج إلى القضايا الأخرى الملحة، والتي تكتسب الأولوية: اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، وعلى مستوى الإصلاحات وايجاد الحلول لها؟
وإذا كان الجواب على السؤال يحتاج إلى قراءة متأنية للمواضيع التي فجرت الصراعات، وإعادة نظر في الحسابات بما يؤمن إعادة ترميم للعلاقات نظر في الحسابات بما يؤمن إعادة ترميم العلاقات بين القوى السياسية باتجاه تصليب التضامن الوزاري، فقد كان لافتاً للانتباه عودة سجالات الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، في ضوء ما قاله الرئيس ميشال عون في مجلس الوزراء عن صلاحياته الدستورية، وانه هو الذي يعرف مصلحة البلاد العليا، وهو الذي يحددها، ما دفع نواب في تيّار «المستقبل» وآخرون مثل اللواء اشرف ريفي، لأن يقولوا بأن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تشتمل اتخاذ قرارات نيابة عن مجلس الوزراء مجتمعاً، وأعاد هؤلاء إلى الأذهان نص المادة 64 من الدستور التي تعتبر رئيس الحكومة مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، بحسب تغريدة النائب محمّد الحجار على «تويتر».
وأكّد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي في السياق لـ«اللواء» بأن من «يحدد المصلحة اللبنانية العليا هو رئيس البلاد، وإذا اختلفت وجهة نظره مع طرف آخر، حول موضوع النزوح السوري مثلاً، تصبح الورقة السياسية في هذا الموضوع قابلة للنقاش في مجلس الوزراء، مشيراً إلى ان رئيس الجمهورية لا يتعدى لا على صلاحيات رئيس الحكومة ولا على الحكومة مجتمعة».
ووصف جريصاتي الاعتراضات التي صدرت حول موقف عون بأنها «شكلية» والهدف منها تسجيل مواقف، مشيراً إلى ان لديه قناعة راسخة بأن كل مكونات البلد دخلت فترة ارتياح لأنه أصبحت لدينا مرجعية لبنانية.
وقال: «انا اعرف بالشخصي ان الرئيس سعد الحريري مرتاح لهذا الأمر».
وأوضحت مصادر «التيار الوطني الحر» ان الرئيس عون لم يكن يتحدث في مجلس الوزراء عن العلاقات اللبنانية - السورية، بل ان كلامه كان حصراً عن عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، مشددة على ان المصلحة العليا للبنان هي الأساس مهما كانت السبل.
«القوات» تحمل التيار المسؤولية
في المقابل، أوضحت مصادر حزب «القوات اللبنانية» ان تصويب وزراء «القوات» كان اساساً على زيارة الوزير صالح الغريب لسوريا، من دون علم الحكومة، أو من دون أخذ قرار بذلك من مجلس الوزراء، وأن السجال حول الزيارة حصل قبل انعقاد الجلسة، لكن وزراء آخرين حاولوا حرف النقاش باتجاه إعادة التطبيع مع النظام السوري، وهذا ما نرفضه.
وأكدت الدائرة الإعلامية في حزب «القوات» في بيان بأن «القوات» مع عودة النازحين البارحة قبل اليوم واليوم قبل الغد، وسألت: «اذا كانت عودة النازحين مرتبطة بالنظام السوري فلماذا لم تتحق عودتهم بعد؟ ولماذا لم تنجح العلاقة السالكة بين رئيس الجمهورية والنظام في اعادتهم وهناك أحد الموفدين يزور سوريا اسبوعيا؟».
واعتبرت ان الحملة المبرمجة على «القوات» سببها وقوفها ضد عودة نفوذ الأسد وضد التطبيع مع النظام السوري، وأشارت إلى ان عودة النازحين من مسؤولية الحكومة مجتمعة، وهي مسؤولية وطنية، ومن غير المسموح استخدامها «فزاعة» أو ذريعة من أجل التطبيع مع نظام الأسد، وحمّلت «التيار الوطني الحر» مسؤولية الفوضى أو العشوائية التي رافقت التعامل مع ملف النازحين منذ العام 2011 لاعتبارات «شعبوية واسدية».
.. وباسيل يرد
وفيما لم تشأ اللجنة المركزية للاعلام في «التيار الوطني الحر» الرد على «القوات» أو التساجل معها من موقع الحرص على المصالحة، مكتفية بالقول المأثور: «واذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا»، ردّ رئيس التيار الوزير جبران باسيل، في خلال عشاء اقامته هيئة تنورين في التيار، وصف فيها «القوات» من دون ان يسميها «بالسياسات الصغيرة»، وقال «لو حصل واقمنا مخيمات على الحدود، مثلما اقترح علينا في العام 2011 لكان لبنان اليوم مسيجاً بالمخيمات بدلاً من ان يكون مسيجاً بجيشه.
ورأى ان «التفكير الصغير (وتقصد «القوات») هو ان نفكر ان لا بأس إذا بقي النازحون بضع سنوات إضافية طالما بعض السفراء راضين، اما التفكير الاستراتيجي فهو ان نواجه مهما تحملنا لأن هويتنا مهددة وليس فقط اقتصادنا».
الدورة الاستثنائية
وعلى صعيد آخر، تبدأ لجنة المال النيابية اعتبارا من الاثنين المقبل القبض على فضيحة التوظيف العشوائي الذي جرى في العام 2017 في عدد من الإدارات والوزارات لأسباب انتخابية، وبلغ عدد الذين تمّ توظيفهم خلافاً لقانون سلسلة الرتب والرواتب أكثر من خسمة آلاف موظف، في وقت أكّد فيه الرئيس نبيه برّي ان المجلس ملتزم بما بدأه مع جلسة الثقة بالاصلاح ومكافحة الفساد وعقد الجلسات الرقابية شهرياً.
ويغادر الرئيس برّي، وفق المعلومات إلى الأردن الأسبوع المقبل للمشاركة في المؤتمر البرلماني العربي في عمان، على ان يستقبله الملك عبد الله الثاني، ويعقد لقاءات مع كبار المسؤولين ومع عدد من المشاركين في المؤتمر محورها، وفق المعلومات، عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
يُشار في هذا السياق، إلى صدور المرسوم الرقم 4374 القاضي بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي يبدأ من 22 شباط ويختتم بتاريخ 19/3/2019 مذيَّلاً بتوقيع رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء.
عقاب الموسوي
إلى ذلك، أكّد أمس، ان مجلس شورى «حزب الله» قرّر تجميد ممارسة العمل البرلماني مؤقتاً للنائب في كتلة «الوفاء للمقاومة» نواف الموسوي، كعقاب على سلوكه وكلامه في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، كما سيمنع عن الخطابة وحضور اجتماعات الكتلة لفترة زمنية، لم تتحدد، وهو كان تغيب عن اجتماع الكتلة أمس الأوّل.
وفي أول تعليق له على قرار الحزب، كتب النائب الموسوي على خاصية «ستاتوس» (واتساب): «أعتذر من هذه المسيرة الإلهية، لما يمكن أن أكون قد سببته من ضرر. لكن عزائي، أنها راسخة، ثابتة، عظيمة، باقية، مستمرة، ولا يقدح فيها شأني الضئيل».
وكان الموسوي، قد علَّق على كلمة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري، مؤكدا أن لهم الحق في الرد على كل من يتهجم عليهم. واعتبر الموسوي أن الرئيس ميشال عون «وصل إلى قصر بعبدا ببندقية المقاومة.. التي تشرف كل لبناني، ولم يصل عبر الدبابة الاسرائيلية» في إشارة إلى الرئيس بشير الجميل، ما استدعى تدخلاً ورداً من النائب نديم الجميل.
استتبع ببيان أشبه باعتذار تلاه رئيس الكتلة النائب محمّد رعد، ومنذ ذلك الحين لم يعد الموسوي يظهر في كواليس المجلس ولا يحضر اجتماعات لجانه.
الأسلحة السويسرية
وبالنسبة إلى جديد فضيحة الأسلحة السويسرية، كان بيان أصدرته السفارة السويسرية في لبنان، اكدت فيه المعلومات بأن وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية أوقفت بالفعل تراخيص تصدير العتاد الحربي إلى لبنان، وعزت ذلك إلى ان «بعثة التدقيق السويسرية عجزت في شهر آذار 2018 عن تحديد مكان شحنة أسلحة سبق ان بيعت وارسلت الي لبنان». وأكّد بيان السفارة ان شحنة الأسلحة ارسلت ليس للحرس الجمهوري وان ايا من القوى المسلحة اللبنانية ليس لها أي علاقة بهذا التدقيق الذي تمّ، علماً انه سبق واتت بعثنا تدقيق في السابق في العامين 2013 و2015 استطاعتا إنجاز التدقيق المراد انجازا كاملا واحداها متعلقة بشحنة ارسلت إلى الحرس الجمهوري.
وبحسب المعلومات، فإن شحنة السلاح التي تحدث عنها بيان السفارة، هي عبارة عن 40 قطعة سلاح فردي اشتراها النائب غازي زعيتر في العام 2016 عندما كان وزيراً للاشغال العامة، لتأمين الحماية الشخصية له، ومواجهة التهديدات الأمنية التي كان يشكلها وجود الارهابيين في جرود السلسلة الشرقية، وقد أكّد الوزير زعيتر هذه المعلومات، في بيان أصدره لهذه الغاية وللرد على ما وصفه «بمعلومات مغلوطة متعلقة باختفاء قطع أسلحة حربية اشتراها من سويسرا».
وأوضح بيان زعيتر انه اشترى هذه الأسلحة اصولا وفق الأعراف الدولية المتبعة، وانه سدد كامل قيمتها من ماله الخاص دون المس بأموال الخزينة أو ترتيب أي أعباء عليها. وقال: ان الأسلحة موجودة لدى مرافقيه، وانه تمّ الاتصال بالسفارة السويسرية لاطلاعها على مكان وجود الأسلحة، لكنها رفضت الانتقال للكشف عليها، ولذا يقتضى التواصل معه لترتيب زيارة للكشف عليها والقيام بما هو مطلوب.
قرار «الدستوري»
وفي خصوص قرار المجلس الدستوري، الذي قى باكثرية أعضائه العشرة ابطال نيابة ديما جمالي واجراء انتخابات فرعية في طرابلس لملء مقعدها الذي بات شاغراً، فلم يطرأ أي جديد، باستثناء دفاع رئيس المجلس القاضي عصام سليمان عن القرار استناداً إلى إلغاء قلم قرصيتا (الضنية) بسبب مخالفة القانون، مشيراً إلى ان «العيوب التي شابت العملية الانتخابية تعود إلى عدم التقيّد بشكل عام بإجراءات قانون الانتخابات».
وشدد سليمان على أن «هذا القرار مدروس، لكن بعض وسائل الاعلام شرحت المخالفة دون التطرق الى القرار». ورأى أن «الحملة السياسية على المجلس الدستوري مرفوضة، فحين يصدر المجلس قرارا فهو ملزم ويجب ألا يقال إنه غدر أو نكد سياسي، وقال نحن نمنع اي تدخل سياسي، واكبر دليل هو ابطال نيابة جمالي وعدم اعلان فوز الطاعن طه ناجي».
وأسف «لكون الديموقراطية في البلد تحولت الى فولكور والسياسة في الحضيض».
كما أصدر أمين سر المجلس القاضي أحمد تقي الدين بياناً نفى فيه ان يكون قد تعرض قبل التصويت على قرار «الدستوري لضغوط من جهات لم يتم الإفصاح عنها، مؤكداً بأن هذا الاتهام باطل وغير صحيح، ويستند إلى تسريبات مغلوطة وكاذبة ومعيبة ولا صحة لها على الإطلاق، وتدل على سوء اخلاق الجهة التي سربتها بالشكل الوضيع الذي وردت فيه» حسب بيان تقي الدين.
تجدر الإشارة إلى ان قرار المجلس الدستوري تضمن أيضاً نص مخالفة القضاة الثلاثة: طارق زيادة وزغلول عطية وسهيل عبد الصمد، الذين عللوا سبب مخالفتهم للقرار لخمسة أسباب جاء في آخرها ان الأكثرية أوردت في قرارها ان الفارق في الكسر يكاد يساوي صفراً وهو 7 على مائة ألف مما يدعونا إلى عدم الأخذ بهذا الفارق المعادل للصفر.