بعد تسعة أشهر من شد الأعصاب وشد الحبال، حصل لبنان على الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة التي يرأسها سعد الحريري.
والجدير بالاهتمام أن هذا التشكيل عكس جهود إيران لوضع حزب الله واحدةً من أهم القوى في النظام السياسي اللبناني، ويمكن الآن للحزب بعدما أخذت الحكومة الثقة، أن يتنفس الصعداء بعد مفاوضات عنيدة بلغت ذروتها في نجاح الحزب في تلبية كل مطالبه.
نجحت طهران في تحسين وضع الحزب بحصوله على وزارات إضافية بما فيها وزارة الصحة المهمة جداً للخدمات التي تقدمها، إذ على الرغم من الضغط الدولي لعدم منحه هذه الحقيبة أصر الحزب عليها لأنها ستمكّنه من تحسين خدماته لمجتمعه وتعزيز صورته العامة.
والأسبوع الماضي قال عضو المجلس المركزي للحزب الشيخ نبيل قاووق إن الحزب حصل على وزارة الصحة على الرغم من الفيتو الأميركي، كما أظهر، برأيه، حجم تراجع دور الولايات المتحدة ونفوذها في لبنان! ومن خارج سياق الأجواء التي تحاول مختلف القوى السياسيّة، لا سيما تلك المشاركة في الحكومة، الترويج لها، جاء تصريح السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد، بعد لقائها رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الحكومي، بالنسبة إلى قلق بلادها من الدور المتزايد لـ حزب الله في الحكومة، ما دفع بالكثيرين إلى السؤال عما إذا كان يؤشر لمرحلة جديدة، عنوانها رفع مستوى الضغوط أو الرقابة من جانب الولايات المتحدة على لبنان.
إقرأ أيضًا: نحو تشكل تحالفات إقليمية
كما أن ما نُقل عن السفير البريطاني في لبنان كريس رامبلينغ، بعد أن عبّر عن انزعاجه من من الاتفاق الذي وقع بين لبنان وشركة "روسنفت" الروسيّة لتطوير منشآت تخزين النفط في طرابلس، يمكن وضعه أيضاً خارج سياق الإرتياح المنتشر على الساحة السياسيّة اللبنانيّة، ما يضع ضغطاً إضافياً على عمل الحكومة في انطلاقتها.
ولندرك حجم خطورة الكلام الأميركي، لا بد من قراءة تصريح السفيرة ريتشارد حرفياً وملياً: "لقد كنت صريحة مع رئيس الوزراء حول قلق الولايات المتحدة بشأن الدور المتنامي في الحكومة لمنظمة لا تزال تحتفظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة، وتستمر في اتخاذ قراراتها الخاصة بالأمن القومي وهي قرارات تُعرّض بقية البلاد للخطر، وهي تستمر في خرق سياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الحكومة من خلال مشاركتها في نزاع مسلح في ثلاث دول أخرى على الأقل، وهذا الوضع لا يساعد على الاستقرار، بل يشكل زعزعة له بشكل اساسي".
المفارقة اللافتة أن التحذير الأميركي المباشر جاء قبيل انعقاد أول جلسة عمل للحكومة الجديدة، لإطلاق ورشة العمل المنتظرة لتنفيذ شروط مؤتمر سيدر، التي تتضمن إشارات واضحة للقرارات الدولية ذات الصلة بفرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وخاصة على الحدود الجنوبية، فضلاً عن التمسك بسياسة النأي بالنفس واعتماد «إعلان بعبدا» الذي نص على تحييد لبنان عن محاور وصراعات المنطقة.
وتشير بعض المصادر، المقربة من دوائر القرار أنه حتى الساعة لا تزال الأمور على حالها بالنسبة إلى الساحة اللبنانيّة، بالرغم من حالة الفوضى التي تسيطر على العلاقات الدوليّة والإقليميّة، بسبب التوتر الذي يطغى على مختلف الملفّات العالقة، لكن تضع الكثير من علامات الإستفهام حول سعي الولايات المتحدة إلى تشديد الضغوط على حزب الله، وترى أن إستهداف مكوّن أساسي في البلد يعني إستهداف كل البلد بشكل أو بآخر، وبالتالي من المفترض أن يثير هذا الأمر المخاوف.
قد لا يكون موقف السفيرة الأميركية جديدًا، لكن البارز انه يأتي الأول دوليًا واقليميًا بهذه “الصراحة والوضوح” بعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، في وقت كان المتوقع الاكتفاء بالتهنئة، مع تكرار الموقف المعهود عن دعم لبنان.
فبدا لافتًا ما “أوحاه” من أن الحكومة موضوعة تحت المراقبة الشديدة، وأن واشنطن على مواقفها الثابتة، وهي لن تراعي بعد اليوم “الأوضاع اللبنانية الخاصة” أو تغضّ الطرف عن أي “خطأ”. ما يعطي الموقف الأميركي أبعادًا عملية تتخطى الإعلان، مع لفت الانتباه الى ما سبقه من عودة “الحضور” السعودي “البارز” إلى المشهد اللبناني بعد “ضمور” نسبي في الفترة السابقة.
يبقى السؤال الأساسي عن مدى تاثير هذه المسالة على الواقع الداخلي اذا استمرت تداعيات الاستراتيجية الاميركية الجديدة، يختلف مراقبو الحكومة في نقطة جوهرية، هي في الرد على السؤال الآتي: هل سيصمد التضامن الوزاري أو لن يصمد؟
إقرأ أيضًا: وارسو ... بدايات خفوت وهج المد الايراني!
فريق يقول إن الوزراء لا يملكون، في معظمهم، القرار فهذا يأتي من مرجعياتهم، وبالتالي فهم إذا انسجموا مع زملائهم الآخرين فلأن المرجعيات قضت بالانسجام، وإذا لم يفعلوا فللسبب ذاته.
فريق آخر يقول إنّ هذه الحكومة بُنيت على زغل وبالتالي فهي معرضة للهزات في كل لحظة.
فريق ثالث يقول: إنّ بذور الصراع الحكومي موجودة في مختلف القضايا التي ستكون مدار بحث في مجلس الوزراء، فريق رابع يقول: الموضوعات والمسائل والملفات الخلافية ليست جديدة.
والأطياف التي وافقت على أنّ تتعايش داخل الحكومة لا يفاجئها هذا الكم من القضايا الخلافية، وبالتالي ليس ثمة أعذار وتبريرات لكي لا يصمد التضامن الوزاري، إلاّ أنّ هذا الواقع لا يعني أنّ المؤثرات الخارجية والإقليمية قد لا تفعل فعلها في التأثير على مجريات الأمور الحكومية.
وهذه المؤثرات لا تزال فاعلة وربّـما تؤدي الى زلزال على ما حذّر منه الرئيس نبيه بري في حديثه الى نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحافة إذا لم يتم التوصل الى حل سياسي في سوريا وفي اليمن أيضاً.