«فليبقَ النازحون السوريون في لبنان». هكذا يمكن تلخيص موقف وزراء القوات اللبنانية في الجلسة الأولى لحكومة الرئيس سعد الحريري أمس. في تماهٍ تامّ مع أجندة «المجتمع الدولي» الرافضة لعودة هؤلاء إلى بلدهم، ولو أدّى ذلك إلى توطينهم، هجم الوزراء القواتيون على زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب لدمشق، وعلى موقف وزير الدفاع الياس بو صعب برفض المنطقة التركية العازلة في شمال سوريا.
بدا وزراء القوات اللبنانية، أمس، وكأنهم أكثر حرصاً على «الثورة السورية» من المسلّحين أنفسهم الذين أجروا مصالحات مع الدولة السورية، وأكثر «حقداً» على دمشق من دولٍ موّلت وسلّحت وسهّلت دخول الإرهابيين إلى سوريا وقاتلت الجيش السوري لسبع سنوات، كالإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن. وأصرّوا على مزايدات شعبوية، ولو كانت معاكسة للمصلحة الوطنية، وتؤدي إلى توطين النازحين السوريين وضرب «البنية الديموغرافية» الدقيقة للبلد، التي لطالما ادعت القوات حرصها عليها وخاضت لأجلها حروباً خاسرة وعبثية.
مصادر وزارية استغربت هذا «النَفَس» القواتي في الجلسة، لأن من زار دمشق لم يكن رئيس الجمهورية ولا وزير الخارجية، بل وزير شؤون النازحين، «والجميع يعلم أن هذا جزء من الاتفاق الشامل الذي أدّى الى ولادة الحكومة، والذي نصّ على تسليم هذه الحقيبة لوزير من الفريق السياسي لرئيس الجمهورية ويمكنه التواصل مع سوريا. وبهذا المعنى فإن الزيارة كانت بعلم رئيس الحكومة، وبتنسيق مباشر مع وزير الخارجية جبران باسيل»، لافتة الى أن هذا ما يبرر ملازمة الرئيس الحريري الصمت طوال الجلسة التي كان يغادرها بين وقت وآخر للتدخين.
وكانت الجلسة سلكت مساراً هادئاً في معظم بنود جدول الأعمال، في اتفاق مسبق وواضح على تمريرها، باستثناء بعض المناكفات بين الوزراء القدامى، فيما التزم معظم الوزراء الجدد الصمت. ولكن، بعد ثلاث ساعات ونصف ساعة، فتح وزراء القوات «بازار» المزايدة. ووضع وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان ووزيرة التنمية الإدارية مي شدياق زيارة الغريب وموقف بو صعب على هامش مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ في إطار خرق النأي بالنفس. وصوّب قيومجيان على المجلس الأعلى اللبناني السوري ورئيسه نصري خوري، فوصف المجلس بـ«الشيطاني»، وذكّر رئيس الجمهورية بحربه مع السوريين نهاية الثمانينيات. وفيما شارك وزير الاعلام جمال الجراح زملاءه القواتيين في المزايدة، قدّم وزير الدولة لشؤون النازحين مطالعة طويلة، انتقد فيها حملة التهويل القواتية، ونفى أن تكون زيارته لدمشق خرقاً للنأي بالنفس، فـ«نحن لم نلتحق بمحور ولم نذهب إلى سوريا من أجل مكسب، بل لمعالجة أزمة لبنانية وطنية». وقال إن «الشيطاني هو إبقاء النازحين السوريين في لبنان التزاماً بأجندة دولية نجهل أسبابها».
المواقف القواتية استدعت رداً حازماً وحاسماً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مفاده أن «الأمر لي». عون رفض إعطاء الإذن لبو صعب للرد على الاتهامات، وقدّم مداخلة طويلة أكّد فيها «اننا ننأى بأنفسنا عما يحدث في سوريا، ولكن لا يمكن أن ننأى بأنفسنا عن النازحين السوريين الموجودين في أرضنا». ولفت إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعادت فتح سفارتها في دمشق والدول الخليجية الأخرى تتواصل مع سوريا. كما أن دولاً أوروبية تسعى لإعادة النازحين وفتح قنوات حوار مع دمشق. وحذّر من أن «الأجندة الدولية ترغب بتوطين النازحين في لبنان، ولذلك هناك ضرورة للعمل مع السوريين لإعادتهم الى بلدهم». وذكّر عون بأنه نبّه منذ عام 2012 الى أن الرئيس السوري بشار الأسد باق ولو استدعى الأمر تدخل روسيا والصين، وشدّد على أن سوريا «جارتنا وموجودة على حدودنا، ومصلحتنا أن ننسق معها». وعن كلام بو صعب، أكّد رئيس الجمهورية أن «الخطر كبير وداهم في الشمال السوري إذا فرضت تركيا منطقة عازلة»، وسأل: «ما المانع بعدها من أن يفرضوا علينا منطقة عازلة؟ وماذا إذا طلبت فئة لبنانية ما منطقة عازلة أو جرت المطالبة بمنطقة عازلة للسوريين في لبنان؟»، مشيراً الى أن موقف وزير الدفاع ينسجم مع الموقف العربي. وختم رئيس الجمهورية بأن أحداً «لا يمكن أن يزايد عليّ في مصلحة لبنان العليا. أنا رئيس الجمهورية وأنا الوحيد الذي أقسم على الدستور»، قبل أن يضرب بمطرقته معلناً انتهاء الجلسة، ورافضاً إعطاء الاذن لشدياق ولوزيري الاشتراكي أكرم شهيب ووائل بو فاعور للرد.