لم يفلت عناصر الأمن التابعون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قبضة القضاء الأميركي بعد اعتدائهم على نشطاء أكراد تظاهروا ضد زيارته إلى واشنطن في مايو 2017.
وتلوح مواجهة قضائية طويلة وحامية بين الطرفين خاصة أن القضاء الأميركي لم يتغاض عن تلك التجاوزات تحت ضغوط البروتوكول الدبلوماسي الذي يمنح عادة للرؤساء الذين يزورون الولايات المتحدة، ما قد يحمل رسالة مبطنة للرئيس التركي المتنطّع الذي هزت مواقفه صورة العلاقات الثنائية التي كانت توصف دائما بالمتميزة.
وبعد أن تيقنت من أن القضاء الأميركي جاد في محاكمة المتورطين في العنف من بين مرافقي أردوغان، لجأت الحكومة التركية إلى خدمات شركة “سالتزمان آند إيفينس″ القانونية بهدف الحصول على المزيد من الوقت لتجميع دفاعها.
وكانت الحكومة التركية قد هونت من الحادث ونتائجه، ورفضت الاستدعاءات السابقة بزعم أن المدعين “إرهابيون”، وأن الاعتداء كان “دفاعا عن النفس″.
وقالت محكمة الولايات المتحدة المحلية في مقاطعة كولومبيا إنها استجابت إلى طلب تركيا المتمثل في تمديد المهلة بـ55 يوما للردّ على استدعاء المحكمة المتعلق بالقضية.
ومن شأن هذا أن يمكن تركيا من “معالجة القضايا القانونية والواقعية والسياسية التي توجّهها ادعاءات الضحايا”.
واندلع العنف عندما هاجم حراس الرئيس التركي مجموعة من النشطاء تجمعت خارج مقر إقامة السفير التركي في دائرة شيريدان بواشنطن بعد دقائق من وقوف سيارة أردوغان في الممر المخصص. ووجهت السلطات الأميركية تهما إلى 19 شخصا بمن فيهم 15 من أعضاء جهاز الأمن التركي، وذلك لاعتدائهم بالضرب على المتظاهرين. وتعرضت لوسيك أوسويان، الناشطة النسوية المدافعة عن زميلاتها الإيزيديات وإحدى المدعيات في القضية، إلى إصابة في الدماغ إثر ركلها بشكل متكرر في الرأس، أثناء هتافات لطرد سفير تركيا من الولايات المتحدة كان أبرزها على لسان السناتور الجمهوري الراحل جون ماكين.
ووافق المدعون، ومعظمهم من المحتجين الأكراد، على طلب تركيا للتمديد. ويمكن أن توظف أنقرة هذه المهلة في محاولة للوصول إلى تسويات خارج المحكمة مع بعض المدعين الذين يطالبون بتعويض تتجاوز قيمته الـ310 ملايين دولار.
وقال مراد ياسا، الذي يعاني من ثغرات في الذاكرة بسبب إصابات في رأسه، في تصريح لموقع المونيتور، “أنا لست مهتما بالمال. قيل لنا إن القضية قد تستغرق سبع سنوات بعد أن تبدأ أولى جلساتها، وكلما طالت مدة هذه القضية، كلما ركزت وسائل الإعلام على حقيقة أردوغان. نريد أن تكون الحقيقة مكشوفة أمام العالم كله”.
ويقول متابعون لمجريات هذه القضية إن المتضررين، وهم نشطاء معارضون لسياسة أردوغان، من مصلحتهم استمرار القضية أمام القضاء لوقت أطول مع استثمارها كورقة للكشف عن سجل النظام التركي ذي التوجهات الإسلامية في استهداف المعارضين، خاصة أن الأمر لا يقف عند استهداف الأكراد، ولكنه يشمل جميع المعارضين سواء أكانوا من أتباع الداعية فتح الله كولن أم من قطاعات حيوية مثل الإعلاميين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعتقد المحامي اليوناني أندرياس أكاراس أن لديه قضية قوية ضد أردوغان، مشيرا إلى أن الهدف من وراء استهداف المظاهرة الكردية كان قمع الحق في حرية التعبير، وأن الرئيس التركي كان يبعث برسالة إلى الأكراد والمتظاهرين الآخرين في تركيا مفادها “بإمكاني تشتيتكم”.
ويعدّ الاشتغال القضائي والسياسي والإعلامي في الولايات المتحدة على هذه القضية بمثابة رسالة مبطنة إلى أردوغان، مفادها أن واشنطن تمتلك الكثير من الأوراق التي يمكن تحريكها للردّ على مواقفه المستفزة، خاصة ما تعلق بملف الأكراد السوريين، حيث دأب الرئيس التركي على التلويح بشن هجوم على مواقع تمركز قوات كردية مدعومة أميركيا شرق الفرات، وهو ما أثار غضب واشنطن التي بادرت في خطوة أولى إلى سن عقوبات مربكة على الاقتصاد التركي.