صحيح أنه من المبكر اللجوء الى التذكير، غير أن المثل يقول لنا “إن الإنسان نسّى”، ولو كان مسؤولاً كبيراً محاطاً بمن يذكِّره.
لا شك في أن الناس أخذوا نفساً عميقاً بعد تأليف الحكومة ونيلها ثقة “وازنة”، الا أنهم لم يعيدوا الحقائب الجاهزة وجوازات السفر الى مطارحها.
كثيرون هم الذين لا يزال الشك يساورهم: تنجح أو لا تنجح؟ اذا نجحت هل يتغيّر الوضع الراهن، ويختفي الفساد وعصاباته المشرورة، على ما يُقال، أم يبقى كل شيء على ما هو؟
لا يُلام اللبناني اذا ساورته الشكوك، فقد ذاق الأمرّين. والكلام، هنا، موجّه الى الحكومة بكامل أعضائها. ومن الأعلى. من الرئيس سعد الحريري الذي لا يستطيع لبناني واحد أن ينكر عليه ما بذل من الجهود. وما صبر. وما ناضل طوال تسعة أشهر على كل الجبهات.
لذا تجدني ألحُّ يومياً على الرؤساء الثلاثة أن يتعاونوا سواسية في سبيل انجاح هذه التجربة، هذه الحكومة، هذه الفرصة، هذه المحاولة التي قد تكون الأخيرة…
لا يُلام اللبنانيّون بالنسبة الى كثافة الشكوك التي تساورهم دائماً، وتدفعهم الى عدم الاقتناع بكل الوعود والتأكيدات. لقد جرَّبوا وصُدِموا. وباتوا يقولون بعضهم لبعض من جرَّب المجرّب كان عقله مخرَّباً”.
الرئيس سعد الحريري ركَّز في كلماته ومحادثاته على أمور شتّى، ينوي تحقيقها عَبر هذه الحكومة بالذات، مؤكداً للجميع أنهم سيجدون ما يسرهم: اننا نريدها حكومة أفعال لا أقوال. نريدها لكل لبنان واللبنانيّين. نريدها تعالج هموم الناس، واهتماماتهم، وقضاياهم الأساسيَّة: الكهرباء، الماء، الأمن، الاستقرار، الاصلاح، القضاء على مجموعات الفساد التي كثر المطالبون بأسماء “فرسانها”: أعطونا أسماء لنتحرَّك!
كما لو أن مهمة الناس أن يقوموا مقام المسؤولين، والمعنيّين. بل كأن الفساد ليس أكثر من اشاعة. هذا الأمر بالذات، وهذه الأجوبة والردود هي مصدر القلق الاضافي: الحكومة هي المسؤولة بكل أعضائها…
اللبنانيون، بكل فئاتهم، يتمنّون لهذه الحكومة النجاح الذي لا مثيل له. النجاح في القضاء على الفساد وجيوبه و”أبطاله”. النجاح في اصلاح كل الاعوجاجات واعادة الاعتبار الى القوانين والمؤسَّسات. النجاح في استعادة الدولة من منفاها…
مريحٌ ومشجِّع اعلان الرئيس الحريري أنه يريد الحكومة للقرارات الجريئة، والاصلاحات التي لا مجال للتهرّب منها بعد اليوم. أما بالنسبة الى الخلل المالي والاداري والمؤسَّساتي، فقد أكّد الحريري أن الحكومة لن تتلهى، ولن تتساهل، ولن تتردّد.
وأما معاناة اللبنانيين وتطلّع الشباب والشابات الى “المستقبل الغامض” فلهما القسم الأكبر من اهتمامات الحكومة. كلهم جميعهم ينادون بتنظيف البلد والدولة والدوائر من المرض الفتّاك الذي يحمل اسم الفساد. ومن دون مراعاة، أو لجوء الى التصنيف والاختيار.
لن نقول للرئيس الحريري أضرب حديداً حامياً لا نفع منه إن بَرَد، لأنه ليس غريباً عن أورشليم. وانهيار لبنان، على هذه الصورة البائسة، من شأنه أن يحرّك حميَّة الجميع ولو كانت من حجر.