لم يسبق للمجلس الدستوري في لبنان، المنوط به النظر في دستورية القوانين، والبت بالطعون النيابية، أن تأخر لأكثر من عشرة أشهر، كما حاله الآن، من دون البت بعشرات المراجعات التي تقدّم بها مرشحون خاسرون في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 6 مايو (أيار) الماضي، وطعنوا فيها بنيابة منافسيهم، ما شكّل وفق خبراء في علم القانون والدستور، إجحافاً بحق مقدمي الطعون، وأوحى باستبعاد قبول هذه المراجعات عشية انتهاء الربع الأول من ولاية المجلس النيابي.
ومع تعاظم موجة اعتراض الطاعنين على تجاهل مراجعاتهم، يعكف رئيس وأعضاء المجلس الدستوري على عقد جلسات شبه يومية، للمذاكرة ودراسة التقارير التي أعدها المقررون. وكشف مصدر في المجلس الدستوري لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس «انتهى من درس كلّ الطعون، ويرجّح أن يصدر القرارات النهائية بشأنها الخميس (غداً) في مؤتمر صحافي يعقده رئيس المجلس الدكتور عصام سليمان وبحضور جميع الأعضاء، ما لم يطرأ جديد يؤخر إعلان القرارات لأيام قليلة»، مشيراً إلى أن «النتائج ستصدر دفعة واحدة وبـ17 ملفاً مطروحاً أمام المجلس».
وعزا المصدر تأخير إصدار نتائج الطعون حتى الآن إلى «أسباب إجرائية وتقنية منها الاستماع إلى معظم مقدمي الطعون والشهود، والعدد الكبير في أعداد الطاعنين، بحيث إن ملفاً واحداً يتضمن 21 طعناً بانتخابات الدائرة الثانية في بيروت، ويطال كلّ الفائزين في انتخابات هذه الدائرة».
وكان وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي، وهو أحد الخاسرين بالانتخابات عن دائرة طرابلس (شمال لبنان)، وأحد الطاعنين في انتخابات هذه الدائرة، حذّر في تصريح له من «محاولات المماطلة للبت بالطعون النيابية بعد تشكيل الحكومة، والسعي إلى تأجيلها إلى أن يتم تعيين أعضاء جدد في المجلس الدستوري ضمن التعيينات الإدارية المنتظرة، بما يعيد الطعون إلى نقطة البداية بهدف تمييعها وعدم إصدارها».
من جهته، اعتبر الخبير القانوني والدستوري النائب السابق صلاح حنين أن «البت بالطعون النيابية تأخر كثيراً، وسجّل سابقة غير معهودة، ما ألحق ظلماً بالمرشحين الطاعنين». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «كان يفترض أن تصدر قرارات المجلس الدستوري بالطعون في مهلة لا تتعدى الخمسة أشهر، وهي المهلة الفاصلة بين مرحلة الانتخابات، وبدء العقد العادي للبرلمان اللبناني». وقال حنين: «لا يعقل أن تتأخر نتائج الطعون، ونحن أصبحنا على مشارف انتهاء الربع الأول من ولاية المجلس النيابي، وهو يؤدي إلى إجحاف بحق مقدّم الطعن وبالنائب الذي قد تُبطل نيابته، إلّا إذا كان هناك من يطمئن إلى أن الطعون لن تبطل نيابة أحد من النواب الجدد».
وكانت ولاية المجلس الدستوري الحالي انتهت قبل أكثر من ثلاث سنوات، لكن تعذّر تشكيل مجلس جديد بسبب الفراغ الرئاسي ومن ثم الحكومي، فاستمرّ المجلس القائم حالياً بمهامه بحكم استمرارية العمل في المؤسسات الدستورية. ويفترض خلال الأشهر القليلة المقبلة أن ينتخب البرلمان اللبناني خمسة أعضاء وتعيّن الحكومة خمسة آخرين، موزعين على كلّ الطوائف ويتسلم المجلس الجديد مهامه، بعد أداء اليمين أمام رئيس الجمهورية.
ولا يبدو أن تأخير بت الطعون ناجم عن ضغوط سياسية أو تباطؤ في عمل المجلس الدستوري، إذ إن هناك أسباباً موجبة فرضت هذه السابقة بتاريخ المجلس. ويعزو الخبير الدستوري صلاح حنين السبب إلى «العدد الكبير في أعداد الطاعنين، واضطرار المجلس للاستماع إلى أقوالهم وإفادات شهود، وانتظار المجلس تسلم تقارير هيئة الإشراف على الانتخابات التي تأخرت بعض الشيء».
ويجري انتخاب وتعيين أعضاء المجلس الدستوري من قضاة عاملين ومتقاعدين، ومن محامين مضى على مزاولتهم المهنة أكثر من عشرين عاماً، ومن أساتذة جامعيين يدرسون المواد القانونية والدستورية. وقد تقدّم عدد كبير من رجال القانون في لبنان بترشيحاتهم لمنصب عضوية المجلس الدستوري، وينتظرون تحديد موعد انتخابهم وتعيينهم في مجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الجديدة الثقة في البرلمان والانتهاء من البت في ملفات أساسية مطروحة أمامها.