في إطار معركته الانتخابية الهجومية على الخصوم، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تقريرا مصورا يتهم فيه رئيس حزب الجنرالات، بيني غانتس، بالموافقة على خطة أميركية في زمن الرئيس باراك أوباما، للانسحاب الإسرائيلي من المناطق الفلسطينية المحتلة في حدود 1967، وذلك لكي يظهره يساريا وليس حتى في حزب وسط. وقد رد غانتس بالتوضيح أن هذه كانت خطة أمنية لما بعد التوقيع على اتفاقية سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأن القيادة العسكرية الأمنية تباحثت فيها مع الأميركيين بقرار من حكومة نتنياهو نفسه، وأنه شخصيا كان قد أيدها عندما تكلم باللغة الإنجليزية وتحفظ عليها عندما تكلم باللغة العبرية.
وقال مقرب من غانتس إن هجوم نتنياهو هذا ارتد إلى نحره، لأنه «يظهره على حقيقته متهربا من المسؤولية ومزيفا للواقع وخادعا للجماهير».
وكان نتنياهو نشر شريطا مصورا، أمس، يزعم فيه أن «غانتس تآمر في الظلام مع عدد من كبار إدارة الرئيس أوباما بهدف دفع خطة للانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى حدود 1967». وأنه، أي نتنياهو، «حالما اكتشف هذه المؤامرة تدخل وأجهضها». ولكي يثبت صدقه، عرض الشريط اقتباسات منقوصة ومشوهة من تقرير كانت نشرته صحيفة «هآرتس» في شهر يونيو (حزيران) 2017، يثبت أن نتنياهو ووزير دفاعه في حينه موشيه يعلون (الذي يعتبر اليوم حليفا مع غانتس في حزب الجنرالات)، أجهضا الخطة الأمنية الأميركية لكي يمنعا التقدم في خطة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للتسوية السلمية في الشرق الأوسط.
وتعود هذه الحكاية إلى الجهود التي بذلها كيري في سنة 2013 – 2014. لدفع التسوية، وفيها يتضح أن كيري اقتنع بأن المشكلة الأساسية في إسرائيل هي مشكلة أمنية. فجلب الجنرال جون ألان، على رأس فريق أمني، ودرسوا الأوضاع والتقوا مع الفلسطينيين والإسرائيليين وجنرالات من مصر والأردن، ثم طرحوا خطة أمنية تتجاوب مع متطلبات الأمن للطرفين. وكان واضحا من البداية أن هذه الخطة معدة بالأساس لتنفذ بعد اتفاق السلام وبعد إقرار القيادتين السياسيتين في كل من إسرائيل وفلسطين. وكان غانتس يومها رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي وقد شكل لجنة أمنية تضم ممثلي الجيش والمخابرات، بناء على قرار رسمي من الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو.
وحسب الأميركيين، فإن ردود فعل القيادات العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية على الخطة كانت إيجابية مما جعلهم يتحمسون لبذل كل جهد ممكن للتقدم في المفاوضات السياسية. ولكنهم، عندئذ، اصطدموا بالموقف الإسرائيلي السياسي. فقد بدأ نتنياهو يضع العراقيل ويطرح التساؤلات المشككة. وأما وزير الدفاع، يعلون، فقد هاجمها يومها بشدة وقال إنها «تافهة ولا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه». وقد أغضب هذا الهجوم الجنرال ألان بشدة وتكلم عن ذلك مع نتنياهو بحدة، فراح هذا يمارس الضغوط على يعلون كي يعتذر. وقد نقل عن يعلون، قوله لاحقا، بأنه رأى أن الأميركيين «استعجلوا أكثر من اللازم» في التوصل إلى اتفاق. واعتقد الأميركيون أن يعلون هو الذي مارس الضغوط على نتنياهو وجنده ضد الاتفاق.
ويشير عاموس هرئيل، محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، إلى أن نتنياهو يزيف هذه المعلومات في شريطه الانتخابي. فالخطة لا تتحدث عن انسحاب إلى حدود 1967. بل إنها تحفظ لإسرائيل التكتلات الاستيطانية. وكانت هناك خطة سياسية طرحها كيري على الطرفين حول التقدم بحلول مرحلية، وقد قبلها نتنياهو بشيء من التحفظ، بينما رفضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويتابع هرئيل أن نتنياهو ظهر مرة أخرى هنا كقائد مزدوج اللسان، فعندما تكلم بالإنجليزية كان يمتدح الجهود الأميركية وعندما تكلم باللغة العبرية انتقد الخطة وأظهر تحفظه على عدة بنود فيها، تماما كما فعل في مؤتمر وارسو الأسبوع الماضي. فقد صرح بأنه أبدى استعداده للرئيس أوباما للتفاوض حول خطة كيري، بينما في الشريط الانتخابي يتهم غانتس بالموافقة ويتباهى بأنه هو الذي أجهضها.
واختتم هرئيل بالقول إن نتنياهو أقدم في سنة 2013 على تمديد خدمة غانتس كرئيس للأركان سنة أخرى. فلو كان غاضبا منه أو متحفظا على دوره في تلك الخطة فعلا، لما مدد له الخدمة.