صارت «المعركة الإصلاحية» ضرورة ملحّة لا مفرّ منها لوقف النزيف المالي الذي من شأنه إغراق المركب بمَن فيه. الحكومة الحديثة الولادة مُقبلة على مشاريع يُفترض أنها «من وزن» مليارات الدولارات، قد تنقذ الوضع الاقتصادي إذا أُحسن استعمالها وحمايتها من «عمولات الشفط والنهب»، وقد تودي بالبلاد الى المجهول إذا ما تمّ تسييلها مزاريبَ وتنفيعاتٍ لمصلحة «حيتان» المال والسلطة. الأمور مرهونة بأداء القابضين على مفاصل الحكم.ولكن أن يدخل «حزب الله» من الباب العريض إلى «مغارة» الفساد تحت عنوان العمل على فكفكة «متاهاتها»، فهذا يعني أنّ خريطة طريق حكومة «الى العمل» ملؤُها التعقيدات، و»مشاريع الاشتباكات»، إلّا إذا اكتفى «الحزب» بإطلالات أمينه العام السيد حسن نصرالله لتوجيه التحذيرات المتتالية، و»رشقات» النائب حسن فضل الله الموسمية بلا أيِّ متابعة إجرائية!
يُدرك «حزب الله» جيداً أنّ معركة مكافحة الهدر والفساد فرضت نفسها عليه ولم يخترها طوعاً بعدما بلغت الأمور حدّاً غير مقبول من شأنه تفجير الداخل اللبناني الذي يشكّل نواته الصلبة لمشروعه الإقليمي ولو تفاوتت نسب قبول مكوّنات هذه النواة ورفضها المشروع. وبالتالي هو صاحب مصلحة استراتيجية في خوض المعركة، واستطراداً، تحقيق انتصار مدوٍّ على «أخطبوطات» المافيا المالية.
ولذا قرّر «الحزب» الدخولَ شريكاً فعلياً في المؤسسات الرسمية بعدما كانت الشراكة تقتصر على القضايا الكبرى. هو اليوم يضع خريطة طريق لتصويب المالية العامة وأداء المؤسسات الرسمية. ويعرف جيداً أنّ السواد الأعظم من اللبنانيين، على اختلاف انتماءاته، مؤيّد هذه الحملة لا بل متحمّس لها حتى لو كان جزءاً كبيراً منه يستفيد من التنفيعات الشخصية لمزاريب الهدر والفساد، لكنّه متأكّد من أنّ سياسة نهب الدولة ستأتي مستقبلاً على أبنائه خراباً وويلات، وأنها استفادة موضعية تضع في جيبه الأيسر ما سيؤخذ لاحقاً من جيبه الأيمن. ولا بدّ في نهاية الأمر من التصدّي لها. أكثر من ذلك، فإنّ الجمهور المسيحي يتأثر جداً بالخطاب الذي يجده برّاقاً كونه ملاصقاً لفكرة الدولة المؤسساتية.
ومع ذلك، فإنّ محاذير هذه المعركة جمّة. يكفي أنّ «الحزب» لم يستثنِ أحداً من سقف تحذيراته، لكي تكون «مواجهة مفتوحة» ضدّ الجميع، بلا استثناء، بمن فيهم المستفيدون من أبناء بيئته. وهذا يعني دخوله حلبة الاشتباك مع مختلف القوى السياسية، ولو أنّ الحرص على الاستقرار الداخلي بما في ذلك تحصين منظومة علاقاته بمختلف المكوّنات لتكون شبكة أمانه الداخلية، يتبوّأ سلّم أولوياته. وبالتالي، لن تكون هذه المعركة نزهة سهلة، يمكن التكهّن بمسارها أو بنهايتها خصوصاً إذا عاندت القوى المستفيدة من «حنفيات» الهدر، ووضعت العصي في الدواليب لإدراكها أنّ للحزب سقفاً في مواجهاته الداخلية يحاذر تخطيه.
ولهذا يحاول الحزب تحصين «معركته» بشبكة تفاهمات داخلية تبدأ من رئيس الحكومة سعد الحريري ولا تنتهي مع حلفائه المسيحيين، تحت سقف إصلاحي يحمي المالية العامة، في محاولة «للدوزنة» بين سخونة خطابه «الإصلاحي» وثبات علاقاته السياسية.
ووفق هذه الروحية تنطلق حكومة «الى العمل» وأولى اهتماماتها الجدّية، التعيينات الادارية، العسكرية، الأمنية والقضائية، اذا ما استثنينا الملفات الخلافية وأهمها ملف تطبيع العلاقات مع سوريا. بنود دسمة ستطرح نفسها على الطاولة الثلاثينية في وقت قريب، ويُفترض أن تثيرَ موجة من التجاذبات، لا بل الخلافات في ضوء تفاهمات مبدئية يقال إنها حيكت مسبقاً وسبقت تأليف الحكومة.
عملياً، يردّد بعض المعنيين أنّ بنوداً مماثلة هي التي دفعت رئيس «التيار الوطني الحر» إلى خوض معركة «الثلث المعطّل» من باب تجميع أوراق قوة تسمح له بفرض أجندته على طاولة مجلس الوزراء، وأهم بنود تلك الأجندة هي تعيينات الفئة الأولى. وتفيد المعلومات أنّ الحكومة هي على موعد مع تعيين أكثر من 22 مركزاً في الفئة الأولى، إلى جانب مجالس إدارة بارزة، منها مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، مجلس الإنماء والإعمار، بنك «انترا» وغيرها من المجالس التي ستستدعي حكماً مشاورات جانبية كثيرة قبل أن ترى النور.
يقول بعض المطّلعين إنّ باسيل سبق له أن أنهى تفاهمه مع تيار «المستقبل» في شأن كثير من التعيينات، وثمّة مَن يخشى أن تكون «القوات اللبنانية» وتيار «المردة» مستهدَفين من هذا التفاهم خصوصاً في ما يخصّ المواقع المسيحية. ولذا يُنتظر أن تشهد هذه البنود جولات من التجاذب والأخذ والرد قبل أن تحطَّ رحالها على طاولة مجلس الوزراء.
وفي المعلومات أيضاً، أنّ أوّلَ الغيث سيكون تعيين الأمين العام الجديد لمجلس الوزراء بعد شغور المركز بفعل إحالة فؤاد فليفل إلى التقاعد. وكان الاتجاه إلى وضع هذا البند على جدول اعمال الجلسة الأولى للمجلس، لكن تمّ التراجع عنه وتأجيله إلى الجلسة المقبلة تسهيلاً للانطلاقة.