يقول رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في تونس إن بلاده استقبلت مؤخرا ألف إرهابي قادمين من مناطق النزاع. تلك الألف هي رقم كبير بالنسبة لبلد صغير مثل تونس، غير أنه لا يعبر عن حقيقة عدد التونسيين الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية بعد ثورة الياسمين، وبالأخص في السنوات التي سيطرت فيها حركة النهضة على السلطة هناك. الأمر المؤكد أن راشد الغنوشي وجماعته يعرفان تلك الحقيقة.
طبعا كانت هناك أنباء هي عبارة عن تسريبات على قدر من المصداقية عن تسلل مئات العناصر الإرهابية إلى تونس في أوقات سابقة من غير أن يتعرض أحد منهم للمساءلة تجسيدا لمقولة “عودة الابن الضال” التي تبناها الغنوشي.
هناك في المنظمات الدولية مَن يعتقد أنّ من حق التونسيين على بلادهم أن تحتضنهم بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبوها.
هو أمر فيه الكثير من الخداع والتضليل الذي يتم تحت شعار حقوق الإنسان وهو شعار يُرفع في وجه تونس، ولا يُرفع في وجه بلجيكا أو فرنسا أو ألمانيا وسواها من الدول الأوروبية التي سبق لها وأن صدّرت آلاف الإرهابيين إلى مناطق النزاع في الشرق الأوسط وبالأخص إلى سوريا والعراق.
مشكلة تونس أنها دولة مستضعَفة. لا من قبل المجتمع الدولي فحسب بل وأيضا من قبل حزب سياسي يساهم في الحكم ويسعى إلى توسيع حصته في السيطرة على السلطة هو حركة النهضة.
وكما أرى فإن تأثير الضغوط الدولية على تونس هو أقل أهمية في ذلك المجال من تأثير ضغوط حركة النهضة التي تضع المسألة بطريقة مخادعة في طابع اجتماعي تحرض من خلاله المجتمع، بعضه على البعض الآخر لينتهيا في ما بعد إلى الاستسلام للطابع القانوني الذي يرهق الدولة التونسية بتكلفة مضافة، هي عبارة عن هدر للمال العام في وقت، تمر به البلاد بضائقة مالية خانقة.
فتونس حين تستقبل مضطرة أبناءها العائدين من المهجر الإرهابي يقع عليها واجب استضافتهم في فنادق خاصة، هي عبارة عن سجون ينبغي أن تكون مخصصة لسجناء ذوي أهمية عالمية. وكما أرى فإن المطلوب من تونس في ذلك المجال هو أكبر من قدرتها.
فهل يحق لها مثلا أن تحاكم أولئك الإرهابيين على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية في سوريا والعراق؟ ذلك السؤال يمكن أن يكون مفهوما لو أن صياغته تمت بطريقة أخرى. “هل يُسمح لتونس أن تحاكمهم باعتبارهم مجرمي حرب؟”. ولكن مَن هي الجهة التي في يدها قرار من ذلك النوع؟
ذلك ما يجهله التونسيون. وهو ما يشكّل عقبة بينهم وبين اتخاذ الإجراء القانوني الصحيح. قد تلقي الدولة التونسية بأولئك الإرهابيين في سجون خاصة، إذا توفر لها المال لإنشاء تلك السجون، من غير أن تحرج نفسها بمسألة محاكمتهم المحظورة. لكنها حينها ستقف أمام عقبة قانونية أخرى. ذلك لأن إجراء من ذلك النوع يعد مخالفة صريحة للدستور الذي يحفظ للمواطن الحق في محاكمة علنية عادلة.
وكما يبدو فإن حركة النهضة مطمئنة إلى أنها ستكون في منأى من الاتهام بالتورط في تصدير الإرهابيين من تونس إلى مناطق النزاع. يعود سبب ذلك الاطمئنان إلى أن الفخ الذي نُصب للسلطة التنفيذية لن تستطيع السلطة القضائية الاقتراب منه.
لن تكون هناك تحقيقات جادة لمعرفة أسرار العملية التي تم بموجبها تسفير مئات التونسيين إلى سوريا بعد أن تم تجنديهم من قبل جهات محلية تم تمويلها من قبل دول وأجهزة مخابرات عالمية.
وما لم تجرَ تلك التحقيقات وتعلن نتائجها على الملأ، فإن حركة النهضة ستظل قادرة على استعمال ورقة الإرهابيين المعتقلين من غير محاكمة في الضغط على الحكومة التي لا تملك ما تدافع فيه عن نفسها.
ألف إرهابي هم في الحقيقة ألف حبل يُلف حول رقبة الدولة التونسية لكي تستسلم لرعاة الإرهاب المحليين الذين يديرهم إرهابي.