مستشارة الأسد ترفض منح الأكراد حكما ذاتيا، وروسيا تقايض تركيا بدعم المنطقة الآمنة مقابل تفكيك النصرة.
 

رفعت روسيا مستوى التوتر مع الولايات المتحدة حول مستقبل سوريا ما كشف تعارض أجندتي الدولتين في مقاربة ملفات الداخل السوري، وبينها وضع الأكراد الذين يجدون أنفسهم في وضع صعب خاصة بعد تردد تصريحات قوية من النظام ضدهم، وآخرها تصريح بثينة شعبان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، التي رفضت مطلقا تمتيع الأكراد بالحكم الذاتي.

وتحول قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا إلى مخرجات لا تتناسب مع الرؤى الروسية في سوريا.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الثلاثاء، إن “هدف الولايات المتحدة يكمن في تقسيم سوريا وإقامة دويلة على الضفة الشرقية لنهر الفرات”.

وأضاف في تصريح صحافي أن “واشنطن تمنع حلفاءها من الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية ببقية أنحاء سوريا (المناطق الخاضعة لسيطرة النظام)”.

وكان ترامب قد أعلن، في 19 ديسمبر الماضي، عن قراره بسحب قوات بلاده من سوريا بدعوى تحقيق الانتصار على تنظيم داعش، لكن دون تحديد جدول زمني. إلا أن مسؤولين أميركيين قالوا بعد ذلك إن عملية الانسحاب من سوريا قد تتواصل حتى مارس أو أبريل المقبلين.

وبدأت موسكو تتهم واشنطن بأنها تحول دون مضي روسيا قدما في فرض التسوية التي يرتئيها الرئيس فلاديمير بوتين لمستقبل سوريا، وأن إحجام الدوائر الإقليمية والدولية عن عدم الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار يعود إلى فيتو أميركي في هذا الشأن.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يختلفان في ملفات كثيرة وفق ما كشفت مداولات مؤتمر ميونيخ للأمن، لاسيما ذلك المتعلق بمقاربة الحالة الإيرانية، إلا أن ضفتي الأطلسي متفقتان على عدم الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار واللاجئين في سوريا إلا وفق تسوية سياسية شاملة تحظى بدعم الأمم المتحدة.

وأضافت المصادر أن لافروف يسعى لتوجيه الاتهام إلى واشنطن بـ”منع حلفائها من الاستثمار في سوريا، مستغلا ظروف التوتر الحاصلة حاليا بين الأوروبيين والأميركيين”.

واتهم وزير الخارجية الروسي الولايات المتحدة بعدم الجدية في إعادة الاستقرار إلى سوريا قائلا “بعبارة أخرى، مهمة استعادة السيادة والسلامة الإقليمية لسوريا، التي وقّع عليها المجتمع الدولي برمته بما في ذلك الولايات المتحدة، كانت في الواقع بالنسبة للولايات المتحدة مجرد مناورة لحرف الأنظار”.

وتمثل تصريحات لافروف موقفا روسيا لافتا ضد الولايات المتحدة يراد منه بعث مجموعة من الرسائل متعددة الأهداف.

ويرى محللون روس أن لافروف يرفع من وتيرة المواجهة مع الولايات المتحدة لاستدراج تسوية ثنائية بين الدولتين من جهة وتحميل الأميركيين مسؤولية الانسداد الحاصل لإيجاد تسوية في سوريا.

ويرسل الموقف الروسي رسالة إلى الطرف التركي تفيد بالتضامن مع أنقرة في مطلب عدم قيام كيان كردي مستقل في سوريا يكون امتدادا لحزب العمال الكردستاني في تركيا.

وقال لافروف إن موسكو وأنقرة اتفقتا بشأن التصدي للتهديدات الإرهابية على الحدود السورية، بالاستناد إلى اتفاقية أضنة المبرمة بين تركيا وسوريا عام 1998.

وأوضح أن تركيا وروسيا اتفقتا بشأن التصدي للتهديدات الصادرة عن الإرهابيين على الحدود السورية، استنادا لاتفاقية أضنة، خلال القمة الثلاثية بين زعماء تركيا وروسيا وإيران، في سوتشي الأسبوع الماضي.

ولفت لافروف إلى أن قمة سوتشي، تناولت قضايا مثل الوضع في إدلب، والحل السياسي في سوريا وانسحاب الولايات المتحدة منها.

وشدد على أن الولايات المتحدة غير قادرة على توفير الأمن في “المنطقة العازلة” المزمع إقامتها شمال شرقي سوريا.

ويرى مراقبون أتراك أن الموقف الروسي من المسألة الكردية هدفه أيضا دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاستجابة للضغوط الروسية بشأن محافظة إدلب وحث أنقرة على الانخراط في جهد عسكري لإنهاء ما تعتبره موسكو وضعا شاذا يقف حجر عثرة أمام أي تسوية محتملة.

ولفت لافروف إلى أن هدف الولايات المتحدة أصبح “أكثر وضوحا، وهو تقسيم سوريا وإقامة دويلة على الضفة الشرقية”.

وتأتي تصريحات لافروف في شأن رفض إقامة كيان كردي مستقل في سوريا من ضمن ما تكرره روسيا، كما الدول المشاركة في عملية أستانة، من تمسك بوحدة الأراضي السورية، علما أنه لم يصدر عن واشنطن أي موقف يوحي بالعمل على إقامة هذا الكيان.

ويرى مراقبون أن تصريحات لافروف هدفها الضغط على الطرف الكردي لعدم التعويل على أي حماية خارجية ودفع الأكراد إلى تنشيط مفاوضاتهم مع النظام السوري لإيجاد صيغة جديدة تتيح لقوات النظام العودة إلى المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش شرق الفرات.

وكانت واشنطن قد هددت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بوقف مساعداتها إذا تحالفت مع موسكو أو دمشق. بالمقابل يطالب الأكراد بحماية دولية، لاسيما أميركية وأوروبية.

وانضم النظام السوري إلى دائرة الضغوط المسلطة على الأكراد برفض أي تفاوض بشأن منحهم الحكم الذاتي، وفق ما أكدت ذلك بثينة شعبان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد.

وقالت شعبان على هامش مؤتمر بشأن الشرق الأوسط في موسكو ينظمه نادي فالداي للنقاش “الحكم الذاتي يعني تقسيم سوريا. ليس لدينا أي سبيل لتقسيم سوريا”.

وأضافت “سوريا دولة تستوعب الجميع وكل الناس سواسية أمام القانون وأمام الدستور السوري”. ووصفت الأكراد بأنهم “جزء ثمين ومهم للغاية من الشعب السوري”.

لكنها انتقدت بشدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفكرته المتعلقة بإقامة “منطقة آمنة” في شمال شرق سوريا، معتبرة أن الفكرة تنطوي على استيلاء غير مشروع على أراض.

وأضافت “تركيا لديها طموح جديد لاحتلال أراضي الآخرين وأعتقد أننا نواجه أردوغان الذي يحلم بإحياء الإمبراطورية العثمانية”.