سلسلة من المؤشرات الدولية تشير إلى بلورة اصطفافات جديدة ،لا تعني بالضرورة الذهاب إلى حروب عسكرية شاملة، لكنها تأكيداً لوجود تنافس دولي، سياسي، إقتصادي، يقود أحيانًا إلى توترات ميدانية خطيرة.
فإذا كانت المؤسسة الأميركية العميقة تدفع الإدارة الأميركية نحو وقف المد الروسي، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لوضع كل الإمكانيات الأميركية في وجه التمدد الصيني، ولا يعتبر أن الخطر روسي على بلاده، بقدر ما هو صيني، ذات انطلاقة وأهداف اقتصادية توسعية، وتداعيات سياسية لاحقة.
يستند ترامب في حجته إلى نجاح إحدى شركات الهاتف الخليوية الصينية على حساب الشركات الأميركية، لذلك ارتكز ترامب في سياسته ضد الصين على عناوين: الانسحاب من اتفاقية التسلح الصاروخي، بسبب عدم وجود بكّين فيها، متّهما الصينيين بالتسلح غير المنضبط.
تسليط الضوء على أزمة تركستان الشرقية، واعادة مطالب الإيغور الى الواجهة الدولية، لزكزكة الصينيين، ومحاولة التقاطع مع القوى الإسلامية التي تحاول جذب المجموعات المسلحة التي كانت تقاتل في سوريا، الى تركستان الشرقية، للإستعداد من أجل إعادة فتح معركة استقلال الايغور عن الصين.
إقرأ أيضًا: وارسو ... بدايات خفوت وهج المد الايراني!
إضعاف حلفاء الصين، في أميركا الجنوبية، وجنوب آسيا.
لكن، لا يقتصر سعي ترامب على تقليص التمدد الصيني في العالم، بل يسعى الى فرض نجاحات رؤيته، بخصوص اضعاف إيران، وتمرير صفقة القرن على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي.
منذ فترة قصيرة انشغلت ايران بمؤتمر وارسو، الذي اراد تحقيق هدفين: التطبيع بين الدول العربية واسرائيل الذي بدأ يعبر عن نفسه بشكل تدريجي، والعمل على محاصرة ايران. ثم حصلت العملية الإرهابية على الحدود الباكستانية الإيرانية، في وقت كانت اسلام أباد تبني تحالفًا سياسيًا جديدًا مع المملكة العربية السعودية، بعد زيارة ولي عهد المملكة الامير محمد بن سلمان الى باكستان وتوقيع اتفاقيات بقيمة ٢٠ مليار دولار، أبرزها ما يتعلق بمحطة نفطية.
لم تستسغ ايران كل المؤشرات الباكستانية، في ظل محاولة تسويق معادلة حلف ثلاثي: سعودي - اماراتي - باكستاني، في مواجهة طهران.
فإسلام أباد، التي تستفيد من تقارب السعودية معها، تحاول ان تضع خطوطا حمراء بوجه النفوذ الايراني في أفغانستان، فهي تعتبر انها الأحقّ بلعب دور في افغانستان، لكن ذلك لا يعني أن باكستان هي من دفع البلوش إلى شن هجوم على الايرانيين. لأن النزاع بين سلطات باكستان والانفصاليين البلوش مستمر.
إقرأ أيضًا: هل سيكون لقاء وارسو توطئة لتمرير صفقة القرن؟!
فهل يوحي ذلك بتشكّل تحالفات دولية جديدة؟
نعم هناك تحالفات ترتكز على جبهة واشنطن والعواصم الأوروبية والخليجية من جهة، وعلى جبهة أوراسيا من جهة ثانية.
لكن هل تصل إلى حروب مباشرة؟ لا يستبعد المتابعون حصول حرب، لكنهم يراهنون على امتداد الصراع الخفي، والسباق الإقتصادي، في مسار طويل.
ما هو واقع المنطقة؟ ستبقى المنطقة أسيرة الحسابات الدولية مع امكانية بقاء الضربات والردود العسكرية.
وهل تنجح صفقة القرن؟ الاسرائيليون سعوا لتأجيل الاعلان عن تنفيذها الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية. وهذا ما سيحصل بالفعل، لكن مسارها ومصيرها مرهونان بمدى القبول الفلسطيني بها، وهو غير وارد حتى الآن لأن لا قدرة لأي فريق فلسطيني على تحمّلها.
وعليه، يبقى الصراع قائما، في عملية تشكّل التحالفات الدولية والإقليمية الجديدة. من أجل خلق ستاتيكو جديد للخروج من دائرة المراوحة لانعدام قدرة أي فريق على حسم أمر الصراع، خصوصاً مع عودة الحرب الباردة على المستوى الدولي.